ووجه هذا أن هؤلاء الأئمة قد انتهى إليهم علم الحديث، وحفظه، فأصبح خوف الخلل في رواياتهم مأمونا، فرغبوا في العلو إليهم، لما فيه من قوة السند.
القسم الثالث: العلو بالنسبة إلى الكتب الحديثية المشتهرة، وهو أن يعلو إسناد المحدث بالنسبة إلى روايته عن طريق الصحيحين وبقية الستة، إذ لو روى الحديث من طريق كتاب من الستة يقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها، وغالبا ما يكون السبب نزول الإسناد عن طريق هذه الكتب.
أما عُلُوَّا الصفة: فقد ذكرهما الحافظ أبو يعلى الحنبلي في كتاب الإرشاد إلى معرفة الحديث، واشتهرا بعده.
الأول: العلو بتقدم وفاة الراوي بأن يتقدم موت الراوي في هذا السند على موت الراوي الذي في السند الآخر، وإن كانا متساويين في العدد.
الثاني: العلو بتقدم السماع من الشيخ بأن يكون أحد الرواة سمع منه
قبل غيره إلا أنه يقع التداخل كثيرا بين هذين القسمين حتى عدهما بعض العلماء قسما واحدا. (١)
شرح الحديث
(عن سفيان) بن عيينة أنه (قال: سمعت ابن المنكدر يقول) قال الجلال السيوطي رحمه الله: يتكرر قول الراوي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، وقد اختلف هل يتعدى سمعت إلى مفعولين فجوزه الفارسي، لكن لابد أن يكون الثاني مما يسمع نحو سمعت زيدا قال كذا، فلو قلت:
سمعت زيدا أخاك لم يجز، والصحيح تعديتها إلى واحد، وما وقع بعده منصوبا فعلى الحال، والأول على تقدير مضاف، أي سمعت كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن السمع لا يقع على الذوات، ثم بين هذا المحذوف
(١) راجع التدريب جـ ٢ ص ١٥٩ - ١٧٠، وشروح الألفية العراقية في المصطلح، وشرحي لألفية السيوطي فيه.