للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أحدها): مذهب الشَّافِعِيّ أنَّهُ يطهُر بالدِّباغ، جميع جُلُود الْمَيتة، إِلَّا الكلب والخِنزِير، والمُتولِّد مِن أحدهما وغَيْره، وَيَطهُر بِالدِّباغ ظاهِر الْجِلْد وباطِنه، وَيَجُوز استِعماله فِي الأشياء المائِعة واليابسة، ولا فَرْق بين مأكُول اللَّحْم وغيره. ورُوِي هَذَا الْمَذْهب عن علِيّ بن أبِي طالِب، وعبد الله بن مسعُود رضِي الله عَنهُمَا.

(والْمَذْهَب الثَّانِي): لا يَطْهُر شَيْء منْ الجُلُود بِالدِّباغ، ورُوِي هَذَا عن عُمر بن الخطَّاب، وابنه عبْد الله، وعائِشة رضِي الله عَنْهُمْ، وهُوَ أشْهَر الرِّوايتينِ عن أحْمَد، وإِحْدى الرِّوايتينِ عن مالِك.

(والمذهب الثَّالِث): يطهُر بِالدِّباَغِ جِلد مَأْكُول اللَّحْم، ولا يطهُر غيره، وهُو مذهب الأوزاعِيِّ، وابن المُبَارَك، وأبِي ثَوْر، وإسحاق بن رَاهْوَيَهِ.

(والْمَذْهَب الرَّابع): يطهُر جُلُود جمِيع الْمَيْتات، إِلَّا الْخِنْزِير، وهُوَ مَذْهَب أبِي حَنيفة. (والْمَذْهَب الْخَامِس): يطهُر الجمِيع، إِلَّا أَنَّهُ يَطْهُر ظاهِره، دُون باطِنه، ويُسْتَعْمَل فِي الْيَابسات، دُون المائِعات، ويُصلَّى عَلَيْهِ، لا فِيهِ، وهذا مَذْهَب مالِك الْمَشْهُور فِي حِكاية أصْحَابه عَنهُ.

(والْمَذْهَب السَّادِس): يَطْهُر الْجَمِيع، والْكَلْب، وَالْخِنْزْير، ظَاهِرًا وبَاطِنًا، وهُو مَذْهب دَاوُد، وأهْل الظَّاهِر، وحُكِيَ عَن أبِي يُوسُف.

(والْمَذْهَب السَّابع): أَنَّهُ يُنتفع بِجُلُودِ الْمَيْتة، وإِنْ لَمْ تُدْبَغ، وَيَجُوز اسْتِعْمَالها فِي المائِعات واليابِسات، وهُو مَذْهَب الزُّهرِيّ، وهُو وجْه شَاذّ لِبعْضِ أصْحَابنا، لا تَفْرِيع عَلَيْهِ، ولا الْتِفَات إِليهِ.

واحْتَجَّتْ كُلّ طائِفة منْ أصحاب هذهِ المذاهِب، بِأَحَادِيث وغيرها، وأجَابَ بعْضهمْ عن دلِيل بَعْض، وَقَدْ أوْضَحْت دَلائِلهمْ فِي أوْراق منْ "شَرْحِ المُهذَّب"، والغَرَض هُنَا بيان الأحْكَام والِاسْتِنباط منْ الْحَدِيث، وفِي حَدِيث ابْن وَعْلة، عَنْ ابْن عَبَّاس، دَلالَة لِمذْهَب الأكْثرِين، أنَّهُ يطهُر ظَاهِرَه وَبَاطِنه، فيجُوز اسْتِعمالَه فِي المَائِعَات، فَإِنَّ جُلُود ما ذَكَّاهُ المَجُوس نَجِسَة، وَقَدْ نُصَّ عَلَى طَهَارتهَا بِالدِّبَاغِ، واستِعمالها فِي الْمَاء والوَدَك، وَقَدْ يَحْتَجّ الزُّهريّ بِقوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابهَا"، وَلَمْ يَذكُر دِبَاغَهَا، وَيُجَاب عَنْهُ بِأنَّهُ مُطْلق، وَجَاءَتْ الرِّوَايات البَاقِية بِبيانِ الدِّباغ، وأنَّ دِباغه طهُوره. والله أعْلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرح مسلم" (١).

وَقَالَ فِي "الفتح": واسْتَدَلَّ بِهِ الزُّهريُّ عَلَى جَوازِ الِانْتِفَاع بِجِلْدِ المَيْتة مُطْلقًا، سَوَاء


(١) "شرح مسلم" ٤/ ٥٤.