جواز الانتفاع بجلود الميتة- ابن مسعود، وسعيد بن المسيّب، والحسن بن أبي الحسن، والشعبيّ، وسالم -يعني ابن عبد الله، وإبراهيم النخعيّ، وقتادة، والضحّاك، وسعيد بن جبير، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، ومالكٌ، والليث، والأوزاعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وابن المبارك، والشافعيّ، وأصحابه، وإسحاق الحنظليّ، وهو مذهب الظاهريّة.
قَالَ: واحتجّ القائلون بأنه يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، دون غيره، بما فِي الأحاديث منْ جعل الدباغ فِي الأهب كالذكاة، قالوا: والذكاة المشبّه بها لا يحلّ بها غير المأكول، فكذلك المشبّه لا يُطَهّرُ جلد غير المأكول. وهذا إن سُلّم لا ينفي ما استُفيد منْ الأحاديث العامّة للمأكول وغيره، وَقَدْ تقرّر فِي الأصول أن العامّ لا يُقصر عَلَى سببه، فلا يصحّ تمسّكهم بكود السبب شاة ميمونة رضي الله تعالى عنها.
قَالَ: وأما القول بأن الدباغ يطهّر ظاهره، دون باطنه، فلا يُنتفع به فِي المائعات، فتفصيلٌ لا دليل عليه.
قَالَ: واحتجّ القائلون بأنه يطهر الجميع، والكلب، والخنزير، ظاهرًا وباطنًا، وهو مذهب داود، وأهل الظاهر، وحكي عن أبي يوسف، وهو الراجح بأن الأحاديث الواردة فِي الإهاب لم يُفَرَّق فيها بين الكلب والخنزير، وما عداهما.
قَالَ: واحتجّ منْ قَالَ يُنتفع بجلد الميتة وإن لم تُدبغ، وهو قول الزهريّ بحديث الشاة باعتبار الرواية التي لم يُذكر فيها الدباغ، وردّ عليه بالأحاديث الواردة يكون الدباغ مطهّرًا، ولعله لم تبلغه تلك الأحاديث. وردّ عليه بعضهم بمخالفته الإجماع. انتهى كلام الشوكانيّ ملخّصًا بتصرّف (١).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن المذهب الصحيح فِي هذه المسألة قول منْ قَالَ بجواز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدبغ مطلقًا، مأكول اللحم، أو غير مأكوله؛ للأحاديث الصحيحة التي وردت مطلقة، ولم يوجد نصّ صحيح، ولا إجماع، إلا ما سيأتي منْ النهي عن الانتفاع بجلود السباع، فإنه لا يدخل فِي هَذَا، وسيأتي الكلام عليه فِي بابه، إن شاء الله تعالى، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.