قَالَ: واستدلّ منْ قَالَ: لا يطهر شيء منْ الجلود بالدباغ، وهو أشهر الروايتين عن أحمد، وإحدى الروايتين عن مالك، كما سبق بحديث عبد الله بن عُكيم الآتي بلفظ:"لا تنتفعوا منْ الميتة بإهاب، ولا عصب"، وكان ذلك قبل موته صلّى الله تعالى عليه وسلم بشهر، فكان ناسخًا لسائر الأحاديث.
وأُجيب بأنه قد أُعلّ بالاضطراب، والإرسال، فلا ينتهض لنسخ الأحاديث الصحيحة. وأيضًا التاريخ بشهر، أو شهرين، مُعَلّ؛ لأنه منْ رواية خالد الحذّاء، وَقَدْ خالفه شعبة، وهو أحفظ منه، وشيخهما واحد، ومع إعلال التاريخ يكون معارضًا بالأحاديث "الصحيحة" وهي أرجح منه بكلّ حال، فإنه قد روي فِي ذلك -يعني تطهير الدباغ للأديم- خمسة عشر حديثًا: عن ابن عبّاس حديثان، وعن أم سلمة ثلاثة، وعن أنس حديثان، وعن سلمة بن المحبّق، وعائشة، والمغيرة، وأبي أُمامة، وابن مسعود، وشيبان، وثابت، وجابر، وأثران عن سودة، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. عَلَى أنه لا حاجة إلى الترجيح بهذا؛ لأن حديث ابن عُكيم عامّ، وأحاديث التطهير خاصّة، فيُبنى العامّ عَلَى الخاصّ، أما عَلَى مذهب منْ يبني العامّ عَلَى الخاصّ مطلقًا، كما هو قول المحقّقين منْ أئمّة الأصول، فظاهر. وأما عَلَى مذهب منْ يجعل العامّ المتأخّر ناسخًا، فمع كونه مذهبًا مرجوحًا، لا نُسلّم تأخّر العامّ هنا؛ لما ثبت فِي "أصول الأحكام، والتجريد" منْ كتب أهل البيت أن عليّا رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: "لا تنتفع منْ الميتة بإهاب، ولا عصب"، فلما كَانَ منْ الغد خرجت، فإذا نحَن بسخلة مطروحة عَلَى الطريق، فَقَالَ:"ما كَانَ عَلَى أهل هذه لو انتفعوا بإهابها"، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أين قولك بالأمس؟، فَقَالَ:"يُنتفع منها بالشيء".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا ذكر الشوكاني الحديث، ولم يذكر درجته، ولا أورده بسنده، حَتَّى يُنظر فيه، فليُحقق. والله تعالى أعلم.
قَالَ: ولو سلّمنا تأخّر حديث ابن عُكيم لكان ما أسلفنا عن النضر بن شُميل، منْ تفسير الإهاب بالجلد الذي لم يُدبغ، وما صَرَّح به صاحب "الصحاح"، ورواه صاحب "القاموس" موجبًا لعدم التعارض؛ إذ لا نزاع فِي نجاسة إهاب الميتة قبل دباغه.
فالحقّ أن الدباغ مطهّر، ولم يُعارض أحاديثه معارضٌ منْ غير فرق بين ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل، وهو مذهب الجمهور. قَالَ الحازميّ: وممن قَالَ بذلك -يعني