خشِيت سودةُ أن يطلقها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: لا تطلقني، وأمسكني، واجعل يومي لعائشة، ففعل، فنزلت:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. وأحرجه ابن سعد منْ حديث عائشة رضي الله تعالى عنها منْ طرق، فِي بعضها: أنه بعث إليها بطلاقها، وفي بعضها أنه قَالَ لها:"اعتدّي"، والطريقان مرسلان، وفيهما أنها قعدت له عَلَى طريقه، فناشدته أن يُراجعها، وجعلت يومها وليلتها لعائشة، ففعل. ومن طريق معمر، قَالَ: بلغني أنها كلّمته، فقالت: ما بي عَلَى الأزواج منْ حرص، ولكنّي أُحبّ أن يبعثني الله يوم القيامة زوجًا لك. وَقَالَ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: ما منْ امرأة أحبّ إليّ أن أكون فِي مسْلاخها منْ سودة بنت زمعة، إلا أن بها حِدّةً، تُسرع منها الْفَيْئَةَ. وَقَالَ ابن سعد حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قَالَ: قالت سودة لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: صلّيتُ خلفك الليلة، فركعتَ بي حَتَّى أمسكتُ بأنفي مخافةَ أن يقطر الدم، فضحك، وكانت تُضحكة بالشيء أحيانًا. وهذا مرسل، رجاله رجال الصحيح. وأخرج ابن سعد بسند صحيح، عن محمد بن سيرين أن عمر بعث إلى سودة بغِرَارة منْ دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: فِي غِرَارة مثل التمر، ففرّقتها. وروى ابن المبارك فِي "الزهد" منْ مرسل أبي الأسود، يتيم عروة: أن سودة قالت: يا رسول الله، إذا متنا صلّى لنا عثمان بن مظعون، حتّى تأتينا أنت، فَقَالَ لها:"يا بنت زمعة لو تعلمين علم الموت، لعلِمتِ أنه أشدّ مما تظنّين".
وَقَالَ ابن أبي خيثمة: تُوفيت فِي آخر خلافة عمر بن الخطّاب. ورجّح الواقديّ أنها ماتت سنة (٥٤)، وَقَالَ ابن حبّان: ماتت سنة (٦٥)(١).
روى لها البخاريّ، والمصنّف حديث الباب فقط، وأخرج لها أبو داود حديثًا واحدًا فِي أُسارى بدر. والله تعالى أعلم.
لطائف هَذَا الإسناد:
منها: أنه منْ سباعيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن فيه ثلاثة منْ التابعين يروي بعضهم عن بعض: إسماعيل، والشعبي، وعكرمة، وفيه رواية صحابي، عن صحابية. والله تعالى أعلم.