للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأَحْوَال انْتَهَى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وفي كلامه هَذَا نظر، فقد تقدّم فِي "كتاب الطهارة" أن الأرجح أن غير الماء يطهّر أيضًا إذا أمر به الشارع، كطهارة النعل بالمسح، فقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه، مرفوعًا: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر، فإن رأى فِي نعليه قذرًا، أو أذى، فليمسحه، وليصل فيهما". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي الأشياء التي يُدبغ الإهاب بها:

قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: يجُوز الدِّبَاغ بِكُلِّ شَيْء، يُنشِّف فَضَلَات الْجِلْد ويُطيِّبهُ، ويمنع منْ وُرُود الْفَسَاد عَلَيْهِ، وذلِك كالشَّتِّ، وَالشَّبّ، والْقَرْظ، وقُشُور الرُّمَّان، وما أشْبَه ذَلِكَ، منْ الأدْوِية الطَّاهِرة، ولا يَحْصُل بِالتَّشْمِيسِ عِنْدنَا، وَقَالَ أصْحَاب أبِي حَنِيفَة: يَحْصُل، ولا يَحْصُل عِنْدنَا بِالتُّراب، والرَّمَاد، والمِلْح عَلَى الأصَحّ فِي الْجَمِيع. وهَلْ يحصُل بِالأدْوِيةِ النَّجِسَة، كَذَرْقِ الْحَمَام، والشَّبّ المُتنجِّس؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أصحهما عِند الأصْحَاب حُصُوله، وَيَجِب غَسْله بَعْد الْفَرَاغ منْ الدِّبَاغ بِلا خِلاف، ولوْ كَانَ دَبْغه بِطَاهِرِ، فَهَلْ يَحْتَاج إِلى غَسْله بَعْد الْفَرَاغ؟ فِيهِ وجْهَانِ. وَهَلْ يُحْتاج إِلى اسْتِعْمَال المَاء فِي أوَّل الدِّبَاغ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أصْحَابنَا: ولا يَفْتَقِر الدِّباَغ إِلى فِعْل فَاعِل. فَلَوْ أطَارت الرِّيح جِلْد مَيْتَة، فَوَقَع فِي مَدْبَغه طَهُرَ. والله أعْلم.

وإِذا طهُر بالدِّباغِ جَازَ الانْتِفَاع بِهِ بِلا خِلاف. وهَلْ يَجُوز بَيْعه؟ فِيهِ قَوْلانِ لِلشَّافِعِيِّ: أصَحّهمَا يَجُوز. وَهَلْ يَجُوز أَكْله؟ فِيهِ ثَلاثَة أَوْجُه، أوْ أَقْوَال: أصَحّهَا لا يَجُوز بِحَالٍ، والثَّانِي يَجُوز، والثَّالِث يَجُوز أَكْل جِلْد مَأْكُول اللَّحْم، ولا يَجُوز غَيْره.

وَإِذَا طَهُر الجِلْد بِالدِّبَاغ، فَهَلْ يَطْهُر الشَّعْر الَّذِي عَلَيْهِ تبعًا لِلجِلْدِ، إِذَا قُلْنَا بِالمُخْتَارِ فِي مَذْهَبنَا: إِنَّ شَعْر الْمَيْتَة نَجَس، فِيهِ قوْلانِ لِلشَّافِعِيّ: أصَحّهمَا، وأشْهَرهمَا لا يَطْهُر؛ لِأنَّ الدِّباَغ لا يُوْثِّر فِيهِ، بِخِلافِ الْجِلْد.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن الشعر تابع للجلد؛ لأن الشارع لم يستثنه، فلو كَانَ غير داخل فِي حكم الطهارة لما سكت عنه؛ لشدّة الحاجة إليه. والله تعالى أعلم.

قَالَ: قَالَ أصْحَابنا: لا يَجُوز اسْتِعْمال جِلْد الْمَيْتَة، قَبْل الدِّبَاغ فِي الأشْيَاء الرَّطْبَة. وَيَجُوز فِي الْيَابِسات مَعَ كَرَاهَته. والله أعْلم. انتهى كلام النوويّ (١).


(١) "شرح مسلم" ٤/ ٥٥.