فأفاد ما ذُكر أنه يُطلق عَلَى الشجر، وعلى الورق، وأنه يدبغ بورقه، وثمره، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ رحمه الله تعالى: الْقَرَظ: شجرٌ يُدبغ بِهِ الأُهُب، وهُو لِما فِيهِ منْ العُفُوصة، والقبض، يُنشِّفُ البلَّة، ويُذهِب الرَّخَاوة، ويُجفِّف الجِلْد، وَيُصْلِحهُ، ويُطيِّبهُ، فكُلّ شَيْء عَمِلَ عَمَل القَرَظ، كَانَ حُكْمه فِي التَّطْهِير حُكْمه، وذِكرُ المَاء مَعَ الْقَرَظ قَدْ يَحْتمِل أَنْ يكون إِنَّمَا أراد بِذَلِكَ، أنَّ الْقَرَظ يَخْتَلِط بِهِ، حِين يُسْتَعْمَل فِي الجِلد. وَيَحْتَمَل أن يكُون إِنَّمَا أراد أنَّ الْجِلْد، إِذَا خَرَجَ منْ الدِّبَاغ، غُسِل بِالْمَاءِ، حَتَّى يزُول عنهُ ما خالطهُ منْ وَضَرِ الدَّبْغ وَدَرَنه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها هَذَا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناد عبد الله بن مالك بن حُذافة، لم يرو عنه غير كثير بن فرقد، فهو مجهول عين، وكذا أمه لم يرو عنها غير ابنها؟.
[قلت]: إنما صح لأن له شاهدًا صحيحًا منْ حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أخرجه الدارقطنيّ، والبيهقيّ، منْ طريق عمرو بن الربيع بن طارق: ثنا يحيى بن أيوب، عن عُقيل، عن الزهريّ، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، مرفوعًا بلفظ:"أوليس فِي الماء والقرظ ما يُطهّره". وهذا إسناد صحيح عَلَى شرط الشيخين (١).
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: أخرجه هنا -٥/ ٤٢٥٠ - وفي "الكبرى" ٥/ ٤٥٧٤. وأخرجه (د) فِي "اللباس" ٤١٢٦. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان ما يُدبغ به جُلود الميتة، وهو القرظ والماء. (ومنها): أنه يدلّ عَلَى وجوب استعمال الماء فِي أثناء الدباغ، قيل: وهو أحد قولي الشافعيّ. قاله السنديّ. (ومنها): ما قاله الخطّابيّ رحمه الله تعالى: أنه فِيهِ حُجَّةً لِمن ذهب إِلى أنَّ غَيْر الْمَاء، لا يُزِيل النَّجَاسَة، ولا يُطهِّرها فِي حَال مِن
(١) راجع "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى ٥/ ١٩٤ - ١٩٥ رقم الحديث ٢١٦٣.