السباع عَلَى أن الدباغ لا يُطهّر جلود السباع، بناء عَلَى أنها مخصِّصة للأحاديث القاضية بأن الدباع مطهّر عَلَى العموم، غير ظاهر؛ لأن غاية ما فيها مجرّد النهي عن الركوب عليها، وافتراشها، ولا ملازمة بين ذلك، وبين النجاسة، كما لا ملازمة بين النهى عن الذهب والحرير، ونجاستهما، فلا معارضة، بل يُحكم بالطهارة بالدباغ، مع منع الركوب عليها، ونحوه، مع أنه يمكن أن يقال: إن أحاديث هَذَا الباب أعم منْ الأحاديث التي تقدّمت فِي إباحة المدبوغ منْ جلد الميتة، منْ وجه؛ لشمولها لِمَا كَانَ مدبوغًا، منْ جلود السباع، وما كَانَ غير مدبوغ. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله تعالى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث والد أبي الْمليح رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٧/ ٤٢٥٥ - وفي "الكبرى" ٨/ ٤٥٧٩. وأخرجه (د) فِي "اللباس" ٤١٣٢ (ت) فِي "اللباس" ١٧٧٠ و١٧٧١ (أحمد) فِي "أول مسند البصريين" ٣٠١٨٣ و٢٠١٨٩ (الدارمي) فِي "الأضاحي" ١٩٨٣. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قَالَ الإمام الترمذيّ رحمه الله تعالى بعد أن أخرج الحديث: ما نصّه: ولا نعلم أحدا، قَالَ: عن أبي المليح، عن أبيه، غيرَ سعيد بن أبي عروبة.
ثم ساق الحديث منْ طريق شعبة، عن يزيد الرِّشْك، عن أبي المليح، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنه نهى عن جلود السباع"، مرسلًا، ثم قَالَ: وهذا أصح. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أن الترمذي إنما رجّح رواية شعبة؛ لكونه أحفظ منْ سعيد، لكن الحديث يشهد له حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله تعالى عنه الآتي بعده، فلا يضره ترجيح الإرسال. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الانتفاع بجلود السباع:
قَالَ الإمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: فأما جلود السباع، فَقَالَ القاضي: لا يجوز الانتفاع بها قبل الدبغ وبعده، وبذلك قَالَ الأوزاعيّ، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو ثور. ورُوي عن عمر، وعلي رضي الله تعالى عنهما كراهية الصلاة فِي