شرح الحديث
(عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ) بن عمرو الكِنْديّ رضي الله تعالى عنه، أنه (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ) أي عن استعمالهما للرجال، وإطلاقه يشمل استعمال الحرير بالفرش، وَقَدْ جاء عنه النهي صريحًا فِي "صحيح البخاريّ"، وسيأتي الكلام فِي استعمال الذهب والحرير فِي موضعه منْ "كتاب الزينة"، إن شاء الله تعالى.
(وَمَيَاثِرِ النُّمُورِ) "المياثر": جمع مِيثرة، بكسر الميم، وسكون التحتانيّة، وفتح المثلّثة، بعدها راء، ثم هاء، ولا همز فيها، وأصلها منْ الوثارة، أو الوِثرة بكسر الواو، وسكون المثلّثة، والوثير: هو الفراش الوطيء، وامرأة وثيرةٌ: كثيرة اللحم.
قَالَ فِي "القاموس": الْمِيثرةُ: الثوب الذي تُجلَّل به الثياب، فيعلوها، وهَنَةٌ كهيئة الْمِرْفقة، تُتّخَذ للسّرْج كالصُّفَّة، جمعه مواثرُ، ومياثرُ، وجلود السباع، ومراكب تُتّخذ منْ الحرير والديباج. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: المناسب لما هنا جلود السباع، فالمعنى: وجلود النمور، أي نهى أن تُفرش جلودها عَلَى السُّرُج، والرِّحَال للجلوس عليها.
والنمور، وفي رواية: "النمار" جمع نَمِر بفتح النون، وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون، وسكون المين: وهو سبُعٌ أجرأ، وأخبث منْ الأسد، وهو منقّط الجلد بنقط سود وبِيض، وفيه شبه منْ الأسد، إلا أنه أصغر منه، ورائحة فمه طيّبة، بخلاف الأسد، وبينه وبين الأسد عداوة، وهو بَعيد الوثبة، فربّما وثب أربعين ذراعًا.
وإنما نهي عن استعمال جلده لما فيه منْ الزينة والخيلاء، ولأنه زيّ العجم، ولأنها لا تُذكّى غالبًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث المقدام بن معدي كرِب رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده بقيّة، وهو معروف بالتدليس عن الضعفاء، وَقَدْ عنعنه؟.
[أجيب]: بأنه صرّح بالتحديث عبد أحمد، ٤/ ١٣٢ فقد أخرجه منْ طريق حيوة بن شُريح، ثنا بقية، ثنا بَحِير بن سعد به، وأيضًا يشهد له حديث أبي المليح، عن أبيه: أن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم "نهى عن جلود السباع"، وهو الحديث الذي قبله.