فِي الصَّحِيح:"إِنَّ الله حَرَّمَ"، ليس فِيهِ:"ورسُوله"، وفِي رواية لابْنِ مَرْدوْيهِ، مِنْ وَجْه آخر، عن اللَّيْث:"إِنَّ الله وَرَسُوله حَرَّمَا"، وَقَدْ صحَّ حدِيث أنس رضي الله تعالى عنه فِي النَّهْي عَن أكل الحُمُر الأهلِيَّة:"إِنَّ الله ورسُوله يَنْهَيَانِكُم"، ووقع فِي رِواية النَّسائِيِّ فِي هَذَا الحدِيث:"يَنْهَاكُمْ"، والتَّحقِيق جواز الإفْراد فِي مِثْل هَذَا، وَوَجْهه الإشَارة إِلى أنَّ أمر النَّبِيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم نَاشِىءٌ عن أمر الله، وهُوَ نَحو قوْله:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}، والْمُخْتار فِي هَذَا أنَّ الجُملة الأُولَى حُذِفَتْ؛ لِدلالةِ الثَّانِية عليها، والتَّقدِير عِند سِيبَوَيْهِ: والله أحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ، وَرَسُوله أَحَقّ أن يُرْضُوهُ، وهُو كَقَوْلِ الشَّاعِر:
(بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ) جمع صنم، قَالَ الجوهريّ: هو الوثن، وَقَالَ غيره: الوثن ما له جُثّةٌ، والصنم ما كَانَ مُصوّرًا، فبينهما عموم وخصوص وجهيّ، فإن كَانَ مصوّرًا فهو وثن وصنم.
(فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) قَالَ الحافظ: لم أقف تسمية القائل، وفي رواية عبد الحميد:"فَقَالَ رجل"(أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ) جمع شَحْم، كفلس وفُلُوس (فَإِنَّهُ يُطْلَى) بالبناء للمفعول: أي يُلَطّخ (بِهَا السُّفُنُ وَيُدَّهَنُ بِهَا الْجُلُودُ)، بناء الفعل للمفعول، يقال: دَهَنْتُ الشعرَ وغيرَهُ، منْ باب قتل: إذا طليته. يعني: أن تلك الشحوم تُطْلَى بها الجلود (وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) ببناء الفعل للفاعل: أي يُنوِّرُون بها مصابيحهم، فهل يجوز لنا بها الانتفاع بالبيع وغيره (فَقَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لا هُوَ حَرَامٌ) الظاهر أن الضمير للانتفاع، أي الانتفاع بشحوم الميتة حرام، وهذا قاله أكثر العلماء، قَالَ فِي "الفتح": قوله: "هو حرام"، أي البيع حرام، هكذا فسّره بعض العلماء، كالشافعيّ، ومن اتّبعه، ومنهم منْ حمل قوْله:"هُوَ حَرَام" عَلَى الانتِفاع، فَقَالَ: يَحْرُم الانْتِفاع بِها، وهُوْ قَوْل أكثر العُلَمَاء، فلا يُنتفع منْ الميتة أصلاً عِنْدهمْ، إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ، وهُو الجِلْد المَدْبُوغ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بتحريم الانتفاع بشحوم الميتة مطلقًا هو الصواب؛ لظاهر هَذَا الحديث، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي حريث الفأرة الآتي قريبًا:"وإن كَانَ مائعًا فلا تقربوه". والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) أي طردهم، وأبعدهم منْ رحمته