للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ، والقُرطُبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: اخْتُلِفَ فِي كيفِيَّةِ بَيْعِ سَمُرَة لِلخَمْرِ، عَلَى ثَلاثَةِ أقْوَالٍ:

[أَحَدُهَا]: أَنَّهُ أخَذَهَا منْ أهْلِ الْكِتاب عَن قِيمةِ الجِزْيةِ، فبَاعَها مِنْهُمْ، مُعْتقِدًا جَوازَ ذَلِكَ. وهذا حَكاهُ ابنُ الجوزِيِّ، عن ابْن نَاصِر، وَرَجَّحهُ، وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُولِّيهُم بَيْعَهَا، فَلا يَدْخُلُ فِي مَحْظُورٍ، وإِنْ أَخَذَ أثْمَانَها مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لَمْ يتَعَاطَ مُحَرَّمًا، وَيَكُونُ شَبِيهًا بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ، حَيْثُ قَالَ: "هُوَ عَليْهَا صَدَقَةٌ، وَلنَا هَدِيَّةٌ".

[والثَّانِي]: يَجُوزُ أنْ يَكُون باَعَ الْعَصِيرَ، مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، والعَصِيرُ يُسَمَّى خَمْرًا، كَمَّا قد يُسَمَّى الْعِنَبُ بِهِ؛ لأنَّهُ يَئُولُ إِلَيْهِ، قالهُ الخَطَّابِيُّ، قَالَ: ولا يُظَنُّ بِسَمُرة أنَّهُ بَاعَ عَيْنَ الخَمْرِ، بَعْد أنْ شَاع تَحْريمُها، وإنَّمَا بَاعَ الْعَصِيرُ.

[والثَّالِثُ]: أَنْ يَكُون خَلَّلَ الْخَمْر، وبَاعَهَا، وكَانَ عُمَرُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لا يُحِلُّهَا، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثرِ العُلَمَاءِ، واعْتَقَدَ سَمُرَةُ الْجَوَازَ، كَمَا تَأوَّلَهُ غَيْرُهُ أنَّهُ يَحِلُّ التَّخْلِيلُ، ولا ينْحَصرُ الحِلُّ فِي تَخْلِيلِها بِنَفْسِها. قَالَ القُرطُبِيِّ تبعًا لابنِ الجوزِيِّ: والأشبهُ الأوَّلُ.

قَالَ الحافظ: ولا يَتعيَّنُ عَلَى الوَجْهِ الأوَّلِ أخْذهَا عَن الجِزْيَةِ، بَلْ يَحْتمِلُ أنْ تَكُونَ حَصَلتْ لَهُ عن غَنِيمَةٍ، أَوْ غَيرِهَا. وَقَدْ أبْدَى الإسْماعِيلِيُّ فِي "الْمَدْخَلِ" فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ، وهُوَ أنَّ سَمُرَةَ عَلِمَ تَحرِيم الْخَمْرِ، ولَمْ يَعْلَم تَحرِيم بَيْعِهَا، وَلِذلِكَ اقْتَصَر عُمَرُ عَلَى ذَمِّهِ، دُونَ عُقُوبَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّنُّ بِهِ.

قَالَ الحافظ: وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ منْ الأخْبارِ، أنَّ سَمُرَة كَانَ والِيًا لِعُمَرَ عَلَى شَيْءٍ مِن أعْمَالِهِ، إِلَّا أنَّ ابْنَ الجَوزِيِّ أطْلَقَ، أَنَّهُ كَانَ والِيًا عَلَى البَصْرةِ، لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَهُوَ وَهَمٌ، فإِنَّما وَلِيَ سَمُرَة عَلَى البَصْرةِ لِزِيَادٍ، وابنِهِ عُبَيْدِ الله بْنِ زِياد، بَعْدَ عُمَر بِدَهْرٍ، وُلاةُ الْبَصْرةِ لِعُمَرَ قَدْ ضُبِطُوا، وَليْسَ مِنْهُمْ سَمُرَةُ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ بَعْضُ أُمَرائِهَا اسْتَعْمَلَ سَمُرَة، عَلَى قَبْضِ الْجِزْيَةِ. انتهى (١).

(قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) قَالَ الهرويّ: معنى قاتلهم: قتلهم، قَالَ: وفاعل أصلها أن يقع الفعل بين اثنين، وربّما جاء منْ واحد، كسافرتُ، وطارقت النعل. وَقَالَ غيره. معنى قاتلهم: عاداهم. وَقَالَ الداوديّ: منْ صار عدوّا لله وجب قتده. وَقَالَ البيضاويّ: قاتل: أي عادى، أو قتل، وأُخرج فِي صورة المبالغة، أو عبّر عنه بما هو مُسبّب عنهم، فإنهم بما اخترعوا منْ الحيلة انتصبوا لمحاربة الله، ومن حاربه حُرِب، ومن قاتله قُتِل. قاله فِي "الفتح" (٢).


(١) "فتح" ٥/ ١٦٤ - ١٦٥. "كتاب البيوع" رقم الحديث ٢٢٢٣.
(٢) "فتح" ٥/ ١٦٦ "كتاب البيوع" ٢٢٢٣.