للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآخر شفاءٌ، فإذا وقع فِي الطعام، فامقُلُوه فيه، فإنه يُقدَّم السمَّ، ويؤخر الشفاء".

وفي حديث أبي هريرة عبد البخاريّ: "فَلْيَغْمِسْهُ كُلّه"، وهو أمْر إِرْشَاد لِمُقابلةِ الدَّاء بِالدَّواءِ، وفِي قَوْله: "كُلّه" رَفْع تَوهُّم الْمَجَاز فِي الاكْتِفَاء بِغَمْسِ بَعْضه.

وزاد فِي حديثه أيضًا: "ثم ليطرحه، فإن فِي إحدى جناحيه داءً، وفي الآخر شفاءً".

قَالَ فِي "الفتح": وفِي رِواية سُلَيْمَان بْن بِلال: "ثُمَّ لْيَنْزِعهُ"، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عبد الله بن المُثَنَّى، عن عَمّه ثُمامة، أَنَّهُ حَدَّثهُ، قَالَ: "كُنَّا عِنْد أنَس، فَوَقَعَ ذُبَاب فِي إِنَاء، فَقَالَ أَنَس بِإِصْبعِهِ، فَغَمَسهُ فِي ذَلِكَ الإنَاء ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ الله، وَقَالَ: إِنَّ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُمْ أن يَفْعَلُوا ذَلِكَ". أخرجهُ البَزَّار، ورِجَاله ثِقَات، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلَمَة، عن ثُمَامَة، فَقَالَ: "عَن أبِي هُرَيْرَة"، وَرَجَّحَهاَ أبُو حَاتِم، وَأَمَّا الدَّارقُطنِيُّ، فَقَالَ: الطَّرِيقانِ مُحْتَمِلانِ.

وقوْله: "فإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ": وفِي رِواية أبِي داوُد: "فإِنَّ فِي أَحَد"، والْجَنَاج يُذكَّر ويُؤَنَّث، وَقِيلَ: أُنِّثَ بِاعْتِبارِ الْيَد، وَجَزَم الصَّغَانِيّ بِأَنَّهُ لا يُؤَنَّث، وَصَوَّبَ رِواية "أَحَد" وحقِيقته لِلطَّائِرِ، وَيُقَال لِغَيْرِهِ عَلَى سَبيل الْمَجَاز كَمَا فِي قَوْله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}، ووَقَع فِي رِواية أبِي داوُد، وصَحَّحهُ ابن حِبَّان، منْ طرِيق سَعِيد المقْبُرِيِّ، عن أبِي هُريرة: "وأَنَّهُ يتَّقِي بِجَناحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاء قَالَ الحافظ: وَلَمْ يقَع لِي فِي شَيْء مِن الطُّرُق تَعْيِين الجَنَاح الَّذِي فِيهِ الشِّفاء منْ غَيْره، لَكِنْ ذَكر بَعْض الْعُلَمَاء، أَنَّهُ تَأَمَّلهُ، فوجدهُ يتَّقِي بِجناحِهِ الأيْسَر، فعُرِف أنَّ الأيْمَن هُو الَّذِي فِيهِ الشِّفاء، والْمُنَاسَبة فِي ذَلِكَ ظَاهِرَة.

وفي حَدِيث أبِي سعِيد المذكور عبد ابن ماجه: "فإنَّه يُقدِّم السُّمّ، ويُوْخِّر الشِّفَاء". قَالَ الحافظ: ويُسْتَفاد مِن هذِهِ الرِّواية، تفسِير الدَّاء الْواقِع فِي حَدِيث البَاب، وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ السُّمّ، فيُسْتَغْنى عن التَّخْرِيج الَّذِي تَكلَّفهُ بَعْض الشُّرَّاح، فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّفْظ مجازًا، وهُوَ كَوْن الدَّاء فِي أحَد الْجَنَاحَيْنِ، فهُو إمَّا منْ مجاز الْحَذْف، والتَّقْدِيرُ: فإِنَّ فِي جَناحَيهِ سَبَب دَاء، وإِمَّا مُبالغةٌ بِأنْ يُجْعَل كُلّ الدَّاء فِي أَحَد جَنَاحَيْهِ؛ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ. وقَالَ آخر: يَحْتَمِلُ أن يكُون الدَّاء ما يَعْرِضُ فِي نَفْس المَرْء مِن التَّكبُّر عن أَكْله، حَتَّى رُبَّمَا كَانَ سَببًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الطَّعَام وإتْلافه، والدَّواءُ مَا يَحْصُل منْ قَمْع النَّفْس، وَحَمْلهَا عَلَى التَّوَاضُع. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): فِي درجته: