للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَ مُجرَّد الإمْسَاك كَافِيًا، لِما احْتِيج إِلى زِيَادَة: {عَلَيْكُمْ}.

[ومِنها]: -لِلقائِلينَ بِالإباحةِ- حَمْلُ حدِيث عدِيٍّ عَلَى كراهة التَّتْزِيه، وَحَدِيث أبِي ثعْلَبَة عَلَى بَيَان الجَوَاز. قَالَ بَعْضهمْ: ومُناسبة ذَلِكَ أَنَّ عدِيًّا، كَانَ مُوسِرًا، فَاخْتِيرَ لَهُ الْحَمْل عَلَى الأَوْلَى، بِخِلافِ أبِي ثَعْلَبة، فإِنَّهُ كَانَ بِعَكْسِهِ. قَالَ الحَافظ: ولا يَخْفَى ضَعْف هَذَا التَّمَسُّك، مع التَّصْرِيح بِالتَّعليلِ فِي الْحَدِيث، بِخَوْفِ الإِمْسَاك عَلَى نَفْسه.

وَقَالَ ابْن التِّين: قَالَ بَعْض أصْحَابنا: هُو عامٌ، فيُحْمَل عَلَى الَّذِي أدركهُ ميِّتًا، مِن شِدَّة العدو، أو منْ الصَّدْمة، فأكَلَ مِنْهُ؛ لِأنَّهُ صَار عَلَى صِفَة، لا يتَعَلَّق بِها الإرْسَال، ولا الإِمْسَاك عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: ويَحْتَمِل أنْ يكُون مَعْنَى قوْله: "فَإِنْ أكَلَ فَلا تَأكُل": أيْ لا يُوجد مِنْهُ غَيْر مُجرَّد الأكْل، دُون إِرْسَال الصَّائِد لهُ، وتكُونُ هذِهِ الجُمْلة مَقْطُوعَة عَمَّا قَبْلَها. قَالَ الحافظ: ولا يَخْفَى تَعَسُّف هَذَا، وَبُعْده.

وَقَالَ ابْن القَصَّار: مُجَرَّد إِرْسَالنَا الْكَلْب إِمسَاكٌ عَلَيْنَا؛ لأنَّ الْكَلْب لا نِيَّة لهُ، ولا يَصِحّ مِنْهُ ميزها (١)، وإِنَّما يتَصَيَّد بِالتَّعْليم، فَإِذَا كَانَ الاعْتِبار بِأنْ يُمْسِك عَلَيْنَا، أَوْ عَلَى نَفْسه، واختلف الْحُكم فِي ذَلِكَ، وَجَبَ أنْ يتَمَيَّز ذَلِكَ بنِيَّةِ منْ لهُ نِيَّة، وهُو مُرسِله، فَإِذَا أرسلهُ فقد أمْسَك عَلَيْهِ، وإِذا لَمْ يُرْسِلهُ لم يُمْسِك عَلَيْهِ. كذا قَالَ، ولا يَخْفَى بُعده أيْضًا، ومُصَادَمَته لِسِيَاقِ الْحَدِيث.

وَقَدْ قَالَ الجُمهُور: إِنَّ معْنى قوْله: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: صِدْنَ لكُمْ، وَقَدْ جَعَل الشَّارع أكْله مِنْهُ عَلامة عَلَى أنَّهُ أمْسَك لِنفْسِهِ، لا لصَاحِبِهِ، فلا يُعْدَل عن ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَع فِي رِواية لابْنِ أبِي شَيْبَة: "إنْ شَرِبَ منْ دَمِهِ، فَلا تَأكُل، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلَّمْ مَا عَلَّمَتْهُ"، وفِي هَذَا إِشَارَة إِلى أنَّهُ إِذَا شَرع فِي أَكْله، دلَّ عَلَى أَنَّهُ ليْسَ بمُعلَّم التَّعْلِيم المُشْتَرَطَ.

وسلك بعض الْمَالِكِيَّة التَّرْجِيح، فقالى: هذِهِ اللَّفظة ذكَرهَا الشَّعْبِيّ، ولمْ يَذْكُرها هَمَّام، وعَارضَها حَدِيث أبِي ثَعْلبة. وهذا -قَالَ الحافظ- تَرْجِيح مَرْدُود، لِمَا تَقَدَّم.

وَتَمَسَّك بَعْضهم بِالإِجْمَاع عَلَى جَوَاز أكْله، إِذَا أخَذهُ الْكَلْب بِفِيهِ، وَهَمَّ بِأكْلِهِ، فأُدْرِك قَبْلَ أَنْ يَأكُل، قَالَ: فَلَوْ كَانَ أكْله مِنْهُ دالاً عَلَى أنّهُ أمْسَكَ عَلَى نَفْسه، لَكَانَ تَنَاوُله بِفِيهِ، وشُرُوعه فِي أكْله كَذلِك، وَلَكِنْ يُشْتَرط أنْ يَقِف الصَّائِد، حَتَّى يَنْظُر هَلْ يَأكُل، أوْ لا. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه الجمهور، منْ عدم جواز أكل ما أكل منه الكلب هو الأرجح؛ ترجيحًا لحديث عديّ رضي الله تعالى عنه


(١) هكذا نسخة "الفتح"، ولعل الصواب: "تمييزها"، والله تعالى أعلم.