صلّى الله تعِالى عليه وسلم بقتل الكلاب، حَتَّى إن المرأة تقدَم منْ البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهَى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن قتلها، فَقَالَ:"عليكم بالأسود البهيم، ذي النقطتين، فإنه شيطان". فمقتضاه أن الأمر كَانَ بقتل الكلاب عامًّا لجميعها، وأنه نُسخ عن جميعها إلا الأسود. وإلى هَذَا ذهب بعض العلماء.
ولَمّا اضطربت هذه الأحاديث المرويّة، وجب عرضها عَلَى القواعد الأصوليّة، فنقول: إن حديث ابن عمر ليس فيه أكثر منْ تخصيص عموم باستثناء مقترن به، وهو أكثر فِي تصرّفات الشرع منْ نسخ العموم بكلّيّته، وأيضاً فإن هذه الكلاب المستثنيات الحاجة إليها شديدةٌ، والمنفعة بها عامّة وكِيدة، فكيف يأمر بقتلها؟ هَذَا بعيد منْ مقاصد الشرع، فحديث ابن عمر أولى. والله تعالى أعلم.
قَالَ: والحاصل منْ هذه الأحاديث أن قتل الكلاب، غير المستثنيات مأمورٌ به إذا أضرّت بالمسلمين، فإن كثُر ضررها، وغلب، كَانَ الأمر عَلَى الوجوب، وإن قلّ، وندر، فأيُّ كلب أضرّ، وجب قتله، وما عداه جائزٌ قتله؛ لأنه سبُعٌ لا منفعة فيه، وأقلّ درجاته توقّع الترويع، وأنه ينقص منْ أجر مقتنيه كلّ يوم قيراطان. فأما المروّع منهنّ، غير المؤذي، فقتله مندوبٌ إليه. وأما الكلب الأسود، ذو النقطتين، فلابُدّ منْ قتله؛ للحديث المتقدّم، وقلّما يُنتفَع بمثل تلك الصفة؛ لأنه إن كَانَ شيطانًا عَلَى الحقيقة، فهو ضرر محضٌ، لا نفع فيه، وإن كَانَ عَلَى التشبيه به، فإنه شُبّه به للمفسدة الحاصلة منه، فكيف يكون فيه منفعة؟ ولو قدّرنا فيه أنه ضارٍ، أو للماشية لقُتل؛ لنصّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم عَلَى قتله. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١) وسيأتي تمام البحث فِي هَذَا فِي المسألة الثالثة، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٤٢٧٩ و٤٨٠ و٤٨١ - وفي "الكبرى" ٩/ ٤٧٨٨ و١٠/ ٤٧٨٩ و٤٧٩٠.