كلّها، إلا ما ورد الحديث بإباحة اتّخاذه منها للصيد، والماشية، وللزرع أيضاً، وقالوا: واجبٌ قتل الكلاب كلها، إلا ما كَانَ مخصوصًا بالحديث، امتثالًا لأمره صلّى الله تعالى عليه وسلم، واحتجّوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المذكور فِي الباب. قَالَ: ورُوي عن عبد الله بن جعفر أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أمر بقتل الكلاب، قَالَ عبد الله. وكانت أمّي تحته، وكان جرو لي تحت السرير، فقلت له: يا أبي وكلبي أيضاً؟ فَقَالَ: لا تقتلوا كلب ابني، ثم أشار بأصبعه: أن خذوه منْ تحت السرير، فأُخذ، وأنا لا أدري، فقُتل. وروى حمّاد بن زيد، عن أيّوب، عن نافع، أن ابن عمر دخل أرضًا له، فرأى كلبًا، فهَمَّ أن يقع بقيّم أرضه، فَقَالَ: إنه والله كلب عابر دخل الآن، قَالَ: فأخذ المسحاة، وَقَالَ: حرّشوه عليّ، قَالَ: فشحطه -أي قتله- فِي أعجل شيء.
فهذا أبو بكر الصدّيق، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قد عملا بقتل الكلاب بعد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم، وجاء نحوه عن عمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهما، فصار ذلك سنّةً معمولًا بها عند الخلفاء، لم يَنسخها عند منْ عمل بها شيء. وإلى هَذَا ذهب مالك بن أنس.
قَالَ أبو عمر: ظاهر حديث ابن عمر، وحديث جابر يدلّ عَلَى قتل جميع الكلاب، ولكن الحديث، فِي ذلك ليس عَلَى عمومه؛ لما قد بان فِي حديث ابن شهاب، عن مالك، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: فكانت الكلاب تُقتل إلا كلب صيد، أو ماشية. ومثله حديث عبد الله بن مُغفّل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورخّص فِي كلب الزرع، والصيد.
وَقَالَ آخرون: أمره صلّى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكلاب منسوخٌ بإباحته اتّخاذ ما كَانَ منها للماشية، والصيد، والزرع، واحتجّ هؤلاء بحديث عبد الله بن المغفّل رضي الله تعالى عنه، قَالَ: أمر رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قَالَ: مالي وللكلاب؟ ثم رخّص فِي كلب الصيد. قالوا: ففي هَذَا الخبر أن كلب الصيد قد كَانَ أَمَر بقتله، ثم أباح الانتفاع به، فارتفع القتل عنه، قالوا: ومعلوم أن كلّ ما يُنتفع به جائزٌ اتّخاذه، ولا يجوز قتله، إلا ما يُؤكلُ، فيُذكَّى، ولا يُقتلُ. واحتجّوا أيضًا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه: أمرنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكلاب، قَالَ: فكنّا نقتلها حَتَّى قَالَ: إنها أمة منْ الأمم، ثم نهى عن قتلها، وَقَالَ: عليكم بالأسود … " الحديث.
قَالَ أبو عمر: حديث جابر لا حجّة فيه لمن أمر بقتل الكلاب، بل الحجة فيه لمن لم ير قتلها. قالوا: فهذا يدلّ عَلَى أن الإباحة فِي اتخّاذها وحبّه أن لا يُفنيها، كَانَ بعد الأمر