للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكِلَاب لِلصَّيْدِ وَالمَاشِيَة، وَكَذَلِكَ الزَّرْع؛ لِأَنَّهَا زِيَادة حَافِظ، وَكَرَاهَة اتِّخاذهَا لِغَيرِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يَدخُل فِي مَعنَى الصَّيد وَغَيره، مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذهَا لِجَلْبِ المَنَافِع، وَدَفْع المَضَارّ قِيَاسًا، فَتَمَحَضَّ كَرَاهَة اتِّخَاذهَا لِغَيرِ حَاجَة؛ لِمَا فِيهِ منْ تَروِيعَ النَّاس، وَامْتِنَاع دُخُول المَلَائِكَة لِلْبَيْتِ الَّذي هُمْ فِيهِ. قَالَ: وَفِي قَوْله: "نَقَصَ مِنْ عَمَله" -أَي منْ أجْر عَمَله- مَا يُشِير إِلَى أَن اتِّخاذهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ اتِّخاذه مُحَرَّمًا، امْتَنَع اتِّخاذه عَلَى كُلِّ حَال سَوَاء نَقَصَ الأَجْر، أَوْ لَمْ يَنقُص، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذها مَكْرُوه، لَا حَرَام. قَالَ: وَوَجْه الحَدِيث عِنْدِي أَنَّ المَعَانِي المُتَعَبَّد بهَا فِي الْكِلَاب، مِنْ غَسْل الإنَاء سَبْعًا، لَا يَكَاد يَقُوم بِها المُكَلَّف، وَلَا يَتَحَفَّظ مِنهَا، فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيهِ بِاتِّخاذِهَا مَا يَنْقُص أَجْره منْ ذَلِكَ.

وَيُرْوَى أَن الْمَنْصُور، سَأَلَ عَمرو بن عُبَيد، عَن سَبَب هَذَا الْحَديث، فَلَم يَعْرِفهُ، فَقَالَ المَنْصُور: لِأنَّهُ يَنبَح الضَّيْف، وَيُرَوِّع السَّائِل انتهى.

وتعقّبه الحافظ: فَقَالَ: مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَم التَّحْرِيم، وَاستَنَدَ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِلَازِم، بَلْ يَحْتَمِل أن تَكُون العُقُوبَة، تَقَع بِعَدَم التَّوْفِيق لِلعَمَلِ بِمِقْدَارِ قِيرَاط، مِمَّا كَانَ يَعمَلهُ منْ الْخَيْر، لوْ لَمْ يَتَّخِذ الكَلْب. وَيَحْتَمِل أنْ يَكُون الاتِّخَاذ حَرَامًا، وَالْمُرَاد بِالنَّقْصِ أنَّ الإثْم الحَاصِل بِاتِّخاذِهِ، يُوازِي قَدْر قِيرَاط، أَو قِيرَاطَيْنِ منْ أَجْر، فَيَنْقُص مِنْ ثَوَاب عَمَل المُتَّخِذ، قَدْر مَا يَتَرَتب عَلَيْهِ مِنْ الإثْم بِاتِّخاذِهِ، وَهُوَ قِيرَاط، أَو قِيرَاطَانِ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فيما قاله العلماء فِي سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب:

قِيلَ: إن سَبَب النُّقْصَان امتِنَاع المَلَائِكَة منْ دُخُول بَيته، أَو مَا يَلحَق المَارِّينَ منْ الأَذَى، أَو لِأَنَّ بَعضهَا شَيَاطِين، أو عُقُوبَة لِمُخَالَفَةِ النَّهْي، أَو لِوُلُوغِهَا فِي الأَوَاني عِنْد غَفْلَة صَاحِبهَا، فَرُبَّمَا يَتَنَجَّس الطَّاهِر مِنهَا، فَإِذَا اسْتُعمِلَ فِي الْعِبَادَة، لَمْ يَقَعْ مَوْقِع الطَّاهِر. وَقَالَ ابن التِّين: المُرَاد أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذهُ، لَكَانَ عَمَله كَامِلاً، فَإِذَا اقتَنَاهُ نَقَص مِنْ ذَلِكَ الْعَمَل، وَلَا يَجُوز أن يَنْقُص مِنْ عَمَل مَضَى، وَإنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ عَمَله فِي الكَمَال عَمَل مَنْ لَمْ يَتَّخِذهُ. انتهى.

وتعقّبه الحافظ: فَقَالَ: وَمَا ادَّعَاهُ منْ عَدَم الْجَوَاز مُنَازَع فِيهِ، فَقَدْ حَكَى الرُّوَيانِيُّ فِي "الْبَحْر" اخْتِلَافًا فِي الأجْر، هَلْ يَنْقُص مِنْ العَمَل الْمَاضِي، أَو المُسْتَقْبَل، وَفِي مُحَصَّل نُقْصَان القِيرَاطَينِ، فَقِيل: مِنْ عَمَل النَّهَار قِيرَاط، وَمِنْ عَمَل اللَّيْل آخَر. وَقِيلَ: منْ الْفَرْض قِيرَاط، وَمِنْ النَّفْل آخَر، وَفِي سَبَب النُّقْصَان، يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.