للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

احتمالات أُخر: [أحدها]: أنها منْ الشياطين، كما جاء فِي بعض الأحاديث. [وثانيها]: استخباث روائحها، واستقذارها. [وثالثها]: النجاسة التي تتعلّق بها، فإنها تأكلها، وتتلطّخ بها، فتكون نجسةً بما يتعلق بها، لا لأعيانها، والمخالف يقول: هي نجسة الأعيان، وعلى ما قلناه يصحّ أن يقال: إنه صلّى الله تعالى عليه وسلم شكّ فِي طهارة موضعه؛ لإمكان أن يكون أصابه منْ النجاسة اللازمة لها غالبًا شيء، فنضحه؛ لأن النضح طهارة للمشكوك فيه، فلو تحقّق إصابة النجاسة الموضعَ لغسله، كما فعل ببول الأعرابيّ، ولو كَانَ الكلب نجسًا لعينه، لا لِمَا يتعلّق به، لما احتاج إلى غسله، كما لا يحتاج إلى غسل الموضع، أو الثوب الذي يكون عليه عظم ميتة، أو نجاسة، لا رطوبة فيها، وعلى هَذَا، فهذا الاحتمال أولى أن يُعتبر، فإن لم يكن أولى، فالاحتمالات متعارضة، والدَّسْتُ (١) قائمٌ، ولا نصّ حاكم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي أن امتناع الملائكة منْ الدخول فِي البيت الذي فيه الكلب، أمر غير معقول المعنى لنا، كما أسلفته فِي "كتاب الطهارة" برقم ١٦٨/ ٢٦١. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي الْمُرَاد بِالمَلَائِكَةِ:

قِيلَ: هُوَ عَلَى العُمُوم، وَأَيَّدَهُ النَّوَويّ بِقِصَّةِ جِبْرِيل الآتِي ذِكْرهَا، وقِيلَ: يُسْتَثنَى الْحَفَظَة، وَأَجَابَ الأوَّل بِجَوَازِ أنْ لَا يَدْخُلُوا، مَعَ اسْتِمْرَار الكِتابَة، بِأَن يَكُونُوا عَلَى بَاب الْبَيْت. وَقِيلَ: المُرَاد مَنْ نَزَلَ مِنْهُم بِالرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: مَن نَزَلَ بِالْوَحْي خَاصَّة، كَجِبْرِيل، وَهَذَا نُقِلَ عَن ابن وَضَّاح، وَالدَّاوُدِيّ وَغَيْرهمَا، وَيَلْزَم مِنْهُ اخْتِصَاص النَّهْي، بِعَهْدِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّ الْوَحْي انْقَطَعَ بَعْده، وَبِانْقِطَاعِهِ انْقَطَعَ نُزُولهمْ. وَقِيلَ: التَّخْصِيص فِي الصِّفَة، أَيْ لَا يَدْخُلهُ المَلَائِكَة دُخُولهمْ بَيْت مَن لَا كَلْب فِيهِ. قاله فِي "الفتح".

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بالعموم هو الأظهر؛ عملًا بعموم النصوص، منْ غير مخصّص لها. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي الصور التي تمنع دخول الملائكة:

قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله تعالى: الصُّورَة الَّتِي لا تَدْخُل الْمَلائِكَة الْبَيت الَّذِي هِيَ فِيهِ، مَا يَحْرُم اقْتِنَاؤُهُ، وَهُوَ مَا يَكُون منْ الصُّوَر الَّتِي فِيهَا الرُّوح، مِمَّا لَمْ يُقطَع رَأْسه، أَوْ لَمْ


(١) هكذا فِي "المفهم" ولم أهتد إلى معناها المناسب هنا، إلا أن تكون مصحَّفة منْ كلمة أخرى. والله تعالى أعلم.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٢٢.