للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُمْتَهَن. ويؤيّده حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه الترمذيّ، وابن حبّان، وهو أتمّ سياقًا منه، ولفظه: "أتاني جبريل، فَقَالَ: أتيتك البارحة، فلم يمنعنىِ أن أكون دخلت، إلا أنه كَانَ عَلَى الباب تماثيل، وكان فِي البيت قِرَامُ سِتْرٍ، فيه تماثيلُ، وكان فِي البيت كلبٌ، فمُرّ برأس التمثال الذي عَلَى باب البيت، يُقطَع، فيصير كهيئة الشجرة، ومُر بالستر، فليُقطع، فليُجعل منه وسادتان، منبوذتان، توطآن، ومُرْ بالكلب، فليُخرج، ففعل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم"، وفي رواية النسائيّ الآتية فِي "الزينة": ١١٤/ ٥٣٦٧ - "فإما أن تُقطع رؤوسها، أو تجعل بساطًا يوطأ"، ففي هَذَا الحديث ترجيح لما قاله الخطّابيّ.

وحاصله أن الصور التي تمتنع الملائكة منْ دخول المكان الذي هي فيه، هي ما إذا كانت باقية عَلَى هيئتها، مرتفعة، غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة، لكنها غيِّرت منْ هيئتها، إما بقطعها منْ نصفها، أو بقطع رأسها، فلا امتناع.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهر حديث زيد بن خالد، عن أبي طلحة (١) رضي الله تعالى عنهما أن الملائكة لا تمتنع منْ دخول البيت الذي فيه صورة، إن كَانَ رقمًا فِي الثوب، وظاهر حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (٢) المنع، وُيجمع بينهما بأن يُحمَل حديث عائشة عَلَى الكراهة، وحديث أبي طلحة عَلَى مطلق الجواز، وهو لا ينافي الكراهة. قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وهو جمعٌ حسنٌ، لكن الجمع الذي دلّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أولى منه. والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: يعني أن الأولى حمل حديث أبي طلحة رضي الله


(١) حديث أبي طلحة سيأتي للمصنّف رحمه الله تعالى فِي "كتاب الزينة" رقم ١١١/ ٥٣٥٢ - منْ طريق بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لا تدخل الملائكة بيتا، فيه صورة"، قَالَ بسر: ثم اشتكى زيد، فعدناه، فإذا عَلَى بابه ستر فيه صورة، قلت لعبيد الله الخولاني: ألم يخبرنا زيد عن الصورة يوم الأول؟، قَالَ: قَالَ عبيد الله: ألم تسمعه يقول: "إلا رقما فِي ثوب"؟.
(٢) هو ما أخرجه مسلم فِي "صحيحه" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: واعد رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل عليه السلام، فِي ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة، ولم يأته، وفي يده عصا فالقاها منْ يده، وَقَالَ: "ما يخلف الله وعده، ولا رسله"، ثم التفت، فإذا جرو كلب تحت سريره، فَقَالَ: "يا عائشة متى دخل هَذَا الكلب هاهنا؟ "، فقالت: والله ما دريت، فأمر به، فأخرج، فجاء جبريل، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "واعدتني فجلست لك، فلم تأت؟ "، فَقَالَ: منعني الكلب الذي كَانَ فِي بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب، ولا صورة".
(٣) "فتح" ١١/ ٥٩٣.