للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى عنه عَلَى ما إذا كانت الصورة مغيّرة، أو ممتهنةً، وحمل حديث عائشة رضي الله تعالى عنه عَلَى ما إذا بقيت بهيئتها، وهذا أولى، كما قَالَ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): أَغْرَبَ ابن حِبَّان، فَادَّعَى أنَّ هَذَا الْحُكْم خَاصّ بالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: وَهُوَ نَظِير الْحَديث الآخَر: "لَا تَصْحَب الْمَلَائِكَة رُفْقَة، فِيهَا جَرَس"، قَالَ: فَإنَّه مَحمُول عَلَى رُفْقَة، فِيهَا رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ مُحَال أَنْ يَخْرُج الْحَاجّ، وَالمُعتَمِر لِقَصْدِ بَيت الله عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى رَوَاحِل، لا تَصْحَبهَا المَلَائِكَة، وَهُمْ وَفْد الله. انْتَهَى.

قَالَ الحافظ: وَهُوَ تَأوِيل بَعِيد جِدًّا، لَمْ أَرَهُ لِغَيرِهِ، وَيُزيل شُبْهَته، أَنَّ كَونهم وَفْد الله، لا يَمْنَع أَنْ يُؤَاخَذُوا، بِمَا يَرتَكِبُونَهُ منْ خَطِيئَة، فَيَجُوز أنْ يُحْرَمُوا بَرَكَة المَلَائِكَة، بَعد مُخَالَطَتهم لَهُمْ، إِذَا ارتَكَبُوا النَّهْي، وَاسْتَصْحَبُوا الْجَرَس، وَكَذَا الْقَوْل فِيمَنْ يَقْتَنِي الصُّورَة، وَالْكَلْب. وَالله أَعلَم. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما تعقب به الحافظ قول ابن حبّان المذكور تعقّب حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): اسْتُشكِلَ كَوْنُ المَلَائِكَة، لَا تَدخُل المَكَان الَّذِي فِيهِ التَّصَاوِير، معَ قَوله سُبْحَانه وَتَعَالَى، عِنْد ذِكر سُلَيمَان عَلَيهِ السَّلَام: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} الآية [سبأ: ١٣]، وَقَدْ قَالَ مُجَاهِد: كَانَت صُوَرًا منْ نُحَاس، أَخرَجَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَال قَتَادَة: كَانَتْ مِنْ خَشَب، وَمِنْ زُجَاج، أَخرَجَهُ عَبد الرَّزَّاق.

[وَالْجَوَاب]: أنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا يَعْمَلُونَ أَشْكَال الأَنْبيَاء، وَالصَّالحِينَ مِنْهُمْ، عَلَى هَيْئَتهمْ فِي العِبَادَة؛ لِيَتَعَبَّدُوا كَعِبَادَتِهم، وَقَدْ قَالَ أَبُو العَالِيَةَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتهمْ حَرَامًا، ثمَّ جَاءَ شَرْعُنَا بِالنَّهي عَنْهُ.

قَالَ الحافظ: وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال: إِنَّ التَّمَاثِيل كَانَتْ عَلَى صُورَة النُّقُوش لِغَيْرِ ذَوَات الأَرْوَاح، وَإذَا كَانَ اللَّفْظ مُحْتَمَلا، لَمْ يَتَعَيَّن الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى المُشْكِل. وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَينِ" حَدِيث عَائِشَة رضي الله تعالى عنها، فِي قِصة الْكَنِيسَة الَّتِي كَانَت بأَرْضِ الحَبَشَة، وَمَا فِيهَا منْ التَّصَاوِير، وَأَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُل الصَّالِحَ، بَنوْا عَلَى قَبْره مَسْجدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَة، أُولَئِكِ شِرَار الْخَلْق عِنْد الله"، فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْعِر، بأَنَّهُ لو كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي ذَلِكَ الشَّرْع، مَا أَطلَقَ عَلَيهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ شَرّ الْخَلْق، فَدَلَّ عَلَى أنَّ فِعْل صُوَر الْحَيَوَان فِعْل مُحْدَث، أَحْدَثَهُ عُبَّاد الصُّوَر. وَالله أَعلَم. قاله فِي "الفتح" (١).


(١) "فتح" ١١/ ٥٨٠ - ٥٨١. "كتاب اللباس". رقم الحديث ٥٩٤٩.