انتهى. وفي رواية مسلم:"تحت فُسطاط لنا": قَالَ النوويّ: الفسطاط فيه ستّ لغات: فسطاط، وفستاطٌ، بالتاء، وفسّاطٌ، بتشديد السين، وضمّ الفاء فيهنّ، وتُكسر، وهو نحو الخباء. قَالَ القاضي: والمراد به هنا بعض حجال البيت، بدليل قولها فِي الحديث الآخر:"تحت سرير عائشة"، وأصل الفسطاط: عمود الأخبية التي يُقام عليها. والله أعلم. انتهى (١).
(فَأَمَرَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (بِهِ) أي بإخراج ذلك الجرو (فَأُخْرِجَ) بالبناء للمفعول (ثُمَّ أَخَذَ) بالبناء للفاعل: أي أخذ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم (بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ بِهِ مَكَانَهُ) أي رشّه إزالة لرائحته الكريهة، أو نحوها، عند منْ يقول بعدم نجاسة عين الكَلب، وهو الأصحّ، أو المراد بالنضح غسله، عند منْ يقول بنجاسة عينه (فَلَمَّا أَمْسَى) أي دخل فِي وقت المساء (لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي، أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ) قَالَ المجد: هي أقرب ليلة مضت (قَالَ: أَجَلْ) بفتحتين، كنعم وزنًا ومعنًى (وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ) أي وكان الوعد مقيّدًا بعدم المانع، فما أخلفت الوعد (قَالَ: فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ) زاد فِي رواية مسلم: "حَتَّى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير".
قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "فأصبح رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم الخ": كذا رواه جميع الرواة: "فأصبح"، "فأمر" مرتّبًا بفاء التسبيب، فيدلّ ذلك عَلَى أنَّ أمره بقتل الكلاب فِي ذلك اليوم، كَانَ لأجل امتناع جبريل منْ دخول بيته. ويحتمل أن يكون ذلك لمعنىً آخر غير ما ذكرناه، وهو أن ذلك إنما كَانَ لينقطعوا عما كانوا أَلِفُوه منْ الأُنس بالكلاب، والاعتناء بها، واتّخاذها فِي البيوت، والمبالغة فِي إكرامها، وإذا كَانَ كذلك كثُرت، وكثُر ضررها بالناس منْ الترويع، والجرح، وكثُر تنجيسها للديار، والأزِقّة، فامتنع جبريل منْ الدخول لأجل ذلك، ثم أخبر به النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وأمر بقتل الكلاب، فانزجر النَّاس عن اتّخاذها، وعمّا كانوا اعتادوه منها. والله تعالى أعلم. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني بعيد، فالأظهر أن المنع إنما هو بسبب امتناع جبريل عليه السلام منْ الدخول؛ كما هو ظاهر سياق الحديث. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.