للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأَصَابُوا إِبِلاً وَغَنَمًا) ولفظ البخاريّ: "فأصاب الناسَ جوع، فأصبنا إبلًا وغنمًا". قَالَ فِي "الفتح": كأن الصحابيّ قَالَ هَذَا ممهّدًا لعذرهم فِي ذبحهم الإبل، والغنم التي أصابوا. وفي رواية: "وتقدّم سَرَعان النَّاس، فأصابوا منْ المغانم"، وفي رواية: "فأصبنا نَهْب إبل وغنم" (وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ) جمع أخرى، وفي رواية: "فِي آخر النَّاس"، وَكَانَ -صلى الله عليه وسلم-، يَفعَل ذَلِكَ؛ صَوْنًا للْعَسْكَر، وَحِفْظًا؛ لِأَنَّه لو تَقَدَّمَهُم لَخَشِيَ أَن يَنقَطِع الضَّعِيف مِنْهُمْ دُونه، وَكَانَ حِرْصِهمْ عَلَى مُرَافَقَته شَدِيدًا، فَيَلْزَم مِنْ سَيْره فِي مَقَام السَّاقَة، صَوْن الضُّعَفَاء؛ لِوُجُودِ مَن يَتَأَخَّر مَعَهُ قَصْدًا منْ الأَقْوِيَاء.

(فَعَجَّلَ أَوَّلُهُم، فَذَبَحُوا، وَنَصَبُوا القُدُورَ) يعني مِن الجُوع الَّذِي كَانَ بهِمْ، فَاستَعجَلُوا، فَذَبَحُوا الَّذِي غَنِمُوهُ، وَوَضَعُوهُ فِي القُدُور، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة: "فَانْطَلَقَ نَاس، منْ سَرَعَان النَّاس، فَذَبَحُوا، وَنَصَبُوا قُدُورهمْ، قَبل أن يُقْسَم". وَفِي رِوَايَة: "فَأَغْلَوْا القُدُور": أَي أَوْقَدُوا النَّار تَحْتهَا، حَتَّى غَلَتْ (فَدُفِعَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-) "دُفِعَ" -بِضمِّ أَوَّله، عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجهُولِ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِمْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة زَائِدَة، عَن سَعِيد بْن مَسْروق: "فَانتَهَى إِلَيْهِمْ"، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِىُّ.

(فَأَمَرَ بالقُدُورِ، فَأُكْفِئَتْ) -بِضَم الهَمْزَة، وَسُكُون الكَاف- أَي قُلِبَتْ، وَأُفْرغَ مَا فِيهَا. قَالَ المجد: كفأه، كمنعه: صرفه، وكبّه، وقَلَبه، كأكفأه، واكتفأه. انتهى.

قَالَ فِي "الفتح": وَقَدْ اختُلِفَ فِي هَذَا الْمَكَان فِي شَيْئَيْنِ:

[أَحَدهما]: سَبَب الإرَاقَة، [وَالثَّانِي]: هل أُتْلِفَ اللَّحْم أَمْ لَا؟، فَأَمَّا الأَوَّل فَقَالَ عِيَاض: كَانُوا انْتَهَوْا إِلَى دَار الإسْلام، وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَجُوز فِيهِ الأَكْل منْ مَال الْغَنِيمَة المُشْتَرَكَة، إِلَّا بَعْد الْقِسْمَة، وَأَنَّ مَحَلّ جَوَاز ذَلِكَ قَبْل الْقِسْمة، إِنَّما هُوَ مَا دَامُوا فِي دَار الْحَرْب، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَن سَبَب ذَلِكَ كَوْنهمْ انْتَهَبُوهَا، وَلَمْ يَأخُذُوهَا بِاعْتِدَالٍ، وَعَلَى قَدْر الحَاجَة. قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث آخَر مَا يَدُلّ لِذَلِكَ، يُشِير إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ طَرِيق عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبيهِ، وَلَهُ صُحْبَة، عَن رَجُل منْ الأَنْصَار، قَالَ: "أَصَابَ النَّاس مَجَاعَة شَدِيدَة، وَجَهْد، فَأصَابُوا غَنَمًا، فَانْتَهَبُوهَا، فَإِن قُدُورنَا لَتَغْلِي بِهَا، إِذْ جَاءَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى فَرَسه، فَأَكْفَأ قُدُورنَا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّل اللَّحْم بالتُّرَاب، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ النُّهْبَة لَيْسَتْ بِأَحَلّ منْ المَيْتَة". انتهى. وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُمَ منْ أَجْل اسْتِعْجَالهمْ بِنَقِيضِ قَصْدهمْ، كَمَا عُومِلَ القَاتِل بِمَنْعِ الْمِيرَاث.

وأَمَّا الثَّانِي، فَقَالَ النَّوَوِيّ: المَأْمُور بِهِ منْ إِرَاقَة القُدُور، إِنَّمَا هُوَ إِتْلَاف المَرَق، عُقُوبَة لَهُمْ، وأَمَّا اللَّحْم فَلَم يُتْلِفُوهُ، بَلْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ، وَرُدَّ إِلَى المَغْنَم، وَلا يُظَنّ أَنَّه أَمَرَ بِإِتْلَافه، مَعَ أَنَّه -صلى الله عليه وسلم-، نَهَى عَنْ إِضَاعَة المَال، وَهَذَا منْ مَال الغَانِمِينَ، وَأَيْضًا