للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي رجّحه الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى، وترجم له، منْ أنه إذا ذبح منْ لا يملك الذبيحة، بغير إذن صاحبها لا تحلّ، هو الذي يترجّح عندي؛ لحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه المذكور هنا. والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ، فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الشَّاءِ بِبَعِيرٍ) قَالَ القرطبيّ: يعني أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم قسم ما بقي منْ الغنيمة عَلَى الغانمين، فجعل عشرة منْ الغنم بإزاء جَزور، ولم يَحتج إلى القرعة؛ لرضا كلّ منهم بما صار إليه منْ ذلك، ولم يكن بينهم تشاحّ فِي شيء منْ ذلك. قَالَ: وكأن هذه الغنيمة لم يكن فيها إلا الإبل، والغنم، ولو كَانَ فيها غيرهما، لقُوّم جميع الغنيمة، ولَقُسم عَلَى القِيَم. انتهى (١).

وَقَالَ فِي "الفتح": هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَة الْغَنَم إِذْ ذَاكَ، فَلَعَلَّ الإِبِل كَانَتْ قَلِيلَة، أَوْ نَفِيسَة، وَالغَنَم كَانَتْ كَثِيرَة، أَوْ هَزيلَة، بِحَيثُ كَانتْ قِيمَة الْبَعِير عَشْر شِيَاه، وَلا يُخَالِف ذَلِكَ القَاعِدَة فِي الأَضَاحِيّ، مِنْ أَنَّ البَعِير يُجْزِىء عَن سَبْع شِيَاه؛ لأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِب فِي قِيمَة الشَّاة وَالبَعِير، المُعتَدِلَيْنِ، وأَمَّا هَذِهِ القِسْمة، فَكَانَتْ وَاقِعَة عَيْن، فَيَحْتَمِل أن يَكُون التَّعْدِيل لِمَا ذُكِرَ، منْ نَفَاسَة الإِبِل، دُون الغَنَم، وَحَدِيث جَابر رضي الله تعالى عنه، عند مُسْلِم، صرِيح فِي الحُكْم، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: "أَمَرَنَا رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن نَشْترك فِي الإبِل وَالْبَقَر، كُلُّ سَبْعَة مِنَّا فِي بَدَنَة".

وَالْبَدَنَة تُطْلَق عَلَى النَّاقَة، وَالبَقرَة، وأَمَّا حَدِيث ابن عَبَّاس: "كُنَّا مَعَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَر، فَحَضرَ الأَضْحَى، فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَة سبعَةً، وَفِي البَدَنَة عَشَرَة" (٢)، فَحَسَّنَهُ التِّرْمذيّ، وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّان، وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِع بن خَدِيج هَذَا.

قَالَ الحافظ: وَالَّذِي يَتَحَرَّر فِي هَذَا أنَّ الأَصْل أنَّ الْبَعِير بِسَبْعَةٍ، مَا لَمْ يَعْرِض عَارِض، مِنْ نَفَاسَة وَنَحْوهَا، فَيَتَغَيَّر الحُكْم بِحَسَب ذَلِكَ، وَبِهَذَا تَجْتَمِع الأَخبَار الوَارِدَة فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ الَّذِي يَظهَر منْ القِسْمةِ المَذكُورَة، أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيمَا عَدَا مَا طُبِخَ، وَأُرِيقَ منْ الإبِل وَالغَنَم، الَّتِي كَانُوا غَنِمُوهَا، وَيَحتَمِل -إنْ كَانَتْ الوَاقِعَة تَعَدَّدَتْ- أن تَكُون القِصَّة الَّتِي ذَكَرَهَا ابن عَبَّاسُ أَتْلَفَ فِيهَا اللَّحْم؛ لِكَوْنِهِ كَانَ قُطِعَ لِلطَّبْخ، والقِصَّة الَّتِي فِي حَدِيث رَافِع طُبِخَتْ الشِّيَاه صِحَاحًا مَثَلًا، فَلَمَّا أُرِيقَ مَرَقهَا، ضُمَّتْ إِلَى الْمَغْنَم لِتُقْسَم، ثُمَّ يَطْبُخهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمه، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكتَةُ فِي انْحِطَاط قِيمَة الشِّيَاه عَن الْعَادَة.


(١) "المفهم" ٥/ ٣٧٥.
(٢) سيأتي للمصنف بنحوه برقم ٤٣٩٥. إن شاء الله تعالى.