للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه": "باب ما ندّ منْ البهائم، فهو بمنزلة الوحش"، وأجازه ابن مسعود، وَقَالَ ابن عباس: ما أعجزك منْ البهائم، مما فِي يديك، فهو كالصيد، وفي بعير تردّى فِي بئر، منْ حيث قدرتَ عليه، فذكّه. ورأى ذلك عليّ، وابن عمر، وعائشة -رضي الله تعالى عنهم-. انتهى.

وَقَدْ نقله ابن المنذر وغيره عن الجمهور، وخالفهم فِي ذلك مالكٌ، والليث. ونقل أيضاً عن سعيد بن المسيب، وربيعة، فقالوا: لا يحلّ أكل الإنسيّ إذا توحّش، إلا بتذكيته فِي حلقه، أو لبّته، وحجة الجمهور حديث رافع رضي الله تعالى عنه المذكور فِي الباب. أفاده فِي "الفتح" (١).

وَقَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: إذا تردّى فِي بئر، فلم يقدر عَلَى تذكيته، فجرحه فِي أيّ موضع قدر عليه، فقتله، أُكل، إلا أن تكون رأسه فِي الماء، فلا يؤكل؛ لأن الماء يُعين عَلَى قتله. هَذَا قول أكثر الفقهاء، روي ذلك عن عليّ، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عبّاس، وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وبه قَالَ مسروقٌ، والأسود، والحسن، وعطاءٌ، وطاوسٌ، وإسحاق، والشعبيّ، والحكم، وحمّاد، والثوريّ، وأبو حنيفة، والشافعيّ، وأبو ثور. وَقَالَ مالك: لا يجوز أكله إلا أن يُذكّى، وهو قول ربيعة، والليث. قَالَ أحمد: لعلّ مالكًا لم يسمع حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه. واحتُجّ لمالك بأن الحيوان الإنسيّ إذا توحّش لم يثبُت له حكم الوحشي، بدليل أنه لا يجب عَلَى المحرم الجزاء بقتله، ولا يصير الحمار الأهليّ مباحًا إذا توحّش. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله تعالى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور منْ جواز أكل الحيوان المتوحّش بجرحه، هو الأرجح عندي؛ لحديث رافع بن خَدِيج رضي الله تعالى عنه المذكور؛ وأما احتجاج مالك، ومن قَالَ بقوله بما ذُكر، فغير مقبول؛ لأنه فِي مقابلة النصّ، ونعتذر عنهم بما تقدّم عن أحمد رحمه الله تعالى منْ أنهم لم يبلغهم النصّ، فقاسوا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "فتح" ١١/ ٦٧ - ٦٩ "كتاب الذبائح" رقم ٥٥٠٩.
(٢) "المغني" ١٣/ ٢٩١ - ٢٩٢.