وأقرب ما يُتَمَسَّك به للوجوب حديث أبي هريرة، رفعه:"منْ وجد سعة، فلم يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مصلانا"، أخرجه بن ماجه، وأحمد، ورجاله ثقات، لكن اختُلِف فِي رفعه، ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك، فليس صريحا فِي الإيجاب.
وقول ابن عمر:"هي سنة، ومعروف" وصله حماد بن سلمة، فِي "مصنفه"، بسند جيد إلى ابن عمر، وللترمذي، مُحَسَّنًا، منْ طريق جَبَلة بن سُحَيم: أن رجلا سأل ابن عمر، عن الأضحية، أهي واجبة؟، فَقَالَ: ضَحَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، والمسلمون بعده. قَالَ الترمذي: العمل عَلَى هَذَا، عند أهل العلم، أن الأضحية ليست بواجبة، وكأنه فَهِمَ منْ كون ابن عمر، لم يقل فِي الجواب: نعم، أنه لا يقول بالوجوب، فإن الفعل المجرد، لا يدل عَلَى ذلك، وكأنه أشار بقوله:"والمسلمون" إلى أنها ليست منْ الخصائص، وكان ابن عمر حريصا، عَلَى اتباع أفعال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب.
وَقَدْ احتج منْ قَالَ بالوجوب، بما ورد فِي حديث مِخْنَف بن سُلَيم، رفعه:"عَلَى أهل كل بيت أضحية"، أخرجه أحمد، والأربعة، بسند قوي، ولا حجة فيه؛ لأن الصيغة ليست صريحة فِي الوجوب المطلق، وَقَدْ ذكر معها العتيرة، وليست بواجبة عند منْ قَالَ بوجوب الأضحية.
واستدل منْ قَالَ بعدم الوجوب، بحديث ابن عباس:"كُتِب عليّ النحرُ، ولم يكتب عليكم"، وهو حديث ضعيف، أخرجه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، والدارقطني، وصححه الحاكم، فذَهِلَ، وَقَدْ استوعَبْتُ (١) طرقه، ورجاله فِي الخصائص، منْ تخريج أحاديث الرافعي. انتهى كلام الحافظ فِي "الفتح".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عبارته فِي "تخريج أحاديث الرافعيّ" المسمّى "تلخيصّ الحبير" ج: ٣/ ١١٨: قوله: "فمنها صلاة الضحى": روي أنه -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"كُتب عليّ ركعتا الضحى، وهما لكم سنة"، رواه أحمد منْ طريق إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس، بلفظ:"أُمرت بركعتي الضحى، ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحى، ولم تكتب"، وإسناده ضعيف، منْ أجل جابر الجعفي، ورواه أبو يعلى منْ طريق شريك، بلفظ:"كتب عليّ النحر، ولم يكتب عليكم، وأُمرت بصلاة الضحى، ولم تؤمروا بها"، ورواه البزار بلفظ:"أُمرت بركعتي الفجر والوتر، وليس عليكم"، ومن طريق أبي جناب الكلبي، عن عكرمة عنه، بلفظ:"ثلاث هنّ عليّ فرائض، ولكم تطوع النحر والوتر، وركعتا الضحى"، ورواه الحاكم، وابن عدي، منْ هَذَا الوجه،