الشرع، فاستثنى. [والثاني]: أنه عَلِمَ منْ طاعته، وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه.
قَالَ الحافظ: وفي الأول نظر؛ لأنه لو كَانَ سابقا، لامتنع وقوع ذلك لغيره، بعد التصريح بعدم الإجزاء لغيره، والفرض ثبوت الإجزاء لعدد غيره، كما تقدم. انتهى كلام الحافظ فِي "الفتح" ١١/ ١٢٩ - ١٣٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا البحث الذي تقدّم منْ الحافظ بحث نفيسٌ جدًّا، وخلاصته أن الجذع منْ الضأن لا يُجوز التضحية به، إلا لمن خصّه الشارع، وهما أبو بُردة بن نيار، وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما، ومن عداهما ممن رُوي أنه -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يُضحّي بالجذع، فمحمول عَلَى ما قبل استقرار النهي عن التضحية به. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي وقت الأضحيّة:
ذهبت طائفة إلى أنه إذا مضى منْ نهار يوم العيد، قدر ما تَحِلّ فيه الصلاة، وقدر الصلاة والخطبتين تامتين، فِي أخف ما يكون، فقد دخل وقت الذبح، ولا يعتبر نفس الصلاة، لا فرق فِي هَذَا بين أهل العصر وغيرهم، وهذا مذهب الشافعيّ، وابن المنذر.
وذهبت طائفة إلى أن منْ شرط جواز التضحية، فِي حق أهل المصر، صلاةَ الإمام، وخطبَتَهُ، رُوي نحوُ هَذَا عن الحسن، والأوزاعي، ومالك، وأبي حنيفة، وإسحاق، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لما رَوَى جندبُ بن عبد الله البجلي: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"منْ ذبح قبل أن يصلي، فليُعِد مكانها أخرى". وعن البراء، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي، فليُعِد مكانها أخرى"، متَّفقٌ عليه، وفي لفظ قَالَ:"إن أول نسكنا، فِي يومنا هَذَا الصلاةُ، ثم الذبح، فمن ذبح قبل الصلاة، فتلك شاة لحم قدمها لأهله، ليس منْ النسك فِي شيء"، وظاهر هَذَا اعتبار نفس الصلاة.
وذهب عطاء إلى أن وقتها إذا طلعت الشمس؛ لأنها عبادة، يتعلق آخرها بالوقت، فتلعق أولها بالوقت، كالصيام.
وَقَالَ أبو حنيفة: أول وقتها فِي حقهم، إذا طلع الفجر الثاني؛ لأنه منْ يوم النحر، فكان وقتها منه كسائر اليوم.
قَالَ ابن قُدامة: والصحيح -إن شاء الله تعالى- أن وقتها، فِي الموضع الذي يُصَلَّى فيه بعد الصلاة؛ لظاهر الخبر، والعمل بظاهره أولى، فأما غير أهل الأمصار والقرى، فأول وقتها فِي حقهم قدر الصلاة، والخطبة بعد الصلاة؛ لأنه لا صلاة فِي حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها.