قَالَ ابن قُدامة: فإن لم يصل الإِمام فِي المصر لم يجز الذبح، حَتَّى تزول الشمس؛ لأنها حينئذ تسقط، فكأنه قد صَلَّى، وسواء ترك الصلاة عمدا، أو غير عمد؛ لعذر أو غيره.
فأما الذبح فِي اليوم الثاني، فهو فِي أول النهار؛ لأن الصلاة فيه غير واجبة، ولأن الوقت قد دخل فِي اليوم الأول، وهذا منْ أثنائه، فلا تعتبر فيه صلاة ولا غيرها، وإن صلى الإِمام فِي المصلَّى، واستخلف منْ صلى فِي المسجد، فمتى صَلَّوا فِي أحد الموضعين، جاز الذبح؛ لوجود الصلاة التي يَسقُط بها الفرض، عن سائر النَّاس، فإن ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة، أجزأ فِي ظاهر كلام أحمد؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَّق المنع عَلَى فعل الصلاة، فلا يتعلق بغيره، ولأن الخطبة غير واجبة، وهذا قول الثوري. انتهى المقصود منْ كلام ابن قدامة باختصار، وتصرّف.
وَقَالَ فِي "الفتح" -عند قوله:"فلا يذبح، حَتَّى ينصرف"-: ما نصّه: تمسك به الشافعية فِي أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة؛ وإنما شرطوا فراغ الخطيب؛ لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة، فِي هذه العبادة، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين عَلَى أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية، سواء صلى العيد أم لا، وسواء ذبح الإِمام أضحيته أم لا، ويستوي فِي ذلك أهل المصر والحاضر والبادي. ونقل الطحاوي عن مالك، والأوزاعي، والشافعي: لا تجوز أضحية قبل أن يذبح الإمام، وهو معروف عن مالك، والأوزاعي، لا الشافعيّ. قَالَ القرطبيّ: ظواهر الأحاديث تدل عَلَى تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعيّ، أن منْ لا صلاة عيد عليه، مخاطب بالتضحية، حمل الصلاة عَلَى وقتها. وَقَالَ أبو حنيفة، والليث: لا ذبح قبل الصلاة، ويجوز بعدها، ولو لم يذبح الإمام، وهو خاص بأهل المصر، فأما أهل القرى والبوادي، فيدخل وقت الأضحية فِي حقهم، إذا طلع الفجر الثاني. وَقَالَ مالك: يذبحون إذا نحو أقرب أئمة القرى إليهم، فإن نحروا قبلُ أجزأهم. وَقَالَ عطاء، وربيعة: يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس. وَقَالَ أحمد، وإسحاق: إذا فرغ الإمام منْ الصلاة، جازت الأضحية، وهو وجه للشافعية، قويّ منْ حيث الدليل، وإن ضعفه بعضهم، ومثله قول الثوري: يجوز بعد صلاة الإمام، قبل خطبته، وفي أثنائها، ويحتمل أن يكون قوله:"حَتَّى ينصرف"، أي منْ الصلاة، كما فِي الروايات الأخر، وأصرح منْ ذلك: ما وقع عند أحمد، منْ طريق يزيد بن البراء، عن أبيه، رفعه: إنما الذبح بعد الصلاة، ووقع فِي حديث جندب، عند مسلم:"منْ ذبح قبل أن يصلي، فليذبح مكانها أخرى"، قَالَ ابن دقيق العيد: هَذَا اللفظ أظهر فِي اعتبار