للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عيد، فلا تجوز إلا فِي يوم واحد، كأداء الفطرة يوم الفطر، وبه قَالَ سعيد بن جبير، وجابر بن زيد، فِي حقّ أهل الأمصار. وحقّ فِي أهل مني كالقول الأول.

وذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار إلى أنه تجوز التضحية إلى هلال محرم، وَقَالَ أبو أمامة بن سهل بن حنيف: كَانَ الرجل منْ المسلمين، يشتري أضحية، فيُسَمّنها، حَتَّى يكون آخر ذي الحجة، فيضحي بها، رواه الإمام أحمد، بإسناده، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيث عجيب، وَقَالَ: أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام (١).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، ورُوي عن علي رضي الله تعالى عنه، منْ جواز التضحية إلى هلال محرّم هو الأرجح؛ لقوّة أدلّته، فقد أخرجه ابن حزم فِي "المحلّى" منْ طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعًا: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الأضحى إلى هلال المحرّم لمن أراد أن يستأني بذلك"، قَالَ ابن حزم هَذَا منْ أحسن المراسيل، وأصحّها، فيلزم الحنفيين، والمالكيين القول به، وإلا فقد تناقضوا. انتهى.

قَالَ الجامع: وهذا المرسل يعضده ما أخرجه أبو نعيم فِي "مستخرجه" منْ طريق أحمد بن حنبل، عن عباد بن العوّام، قَالَ: أخبرني يحيى بن سعيد، وهو الأنصاريّ، قَالَ سمعت أبا أمامة بن سهل، قَالَ: "كَانَ المسلمون يشتري أحدهم الأضحيّة، فيُسمّنها، ويذبحها فِي آخر ذي الحجة" (٢).

فهذا أثر صحيح، وَقَدْ علقه البخاريّ فِي "صحيحه" بصيغة الجزم، وأبو أُمامة، منْ كبار التابعين، وله رؤية، قد أخبر بأن ذلك كَانَ فعل المسلمين، فصحّ الاحتجاج بالمرسل المذكور؛ لاعتضاده، عند منْ لا يحتجّ به إلا إذا اعتضد.

والحاصل أن الحقّ جواز التضحية إلى آخر ذي الحجة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي زمن ذبح الأضحية:

ذهبت طائفة إلى أنه النهار، دون الليل، قَالَ ابن قُدامة: نص عليه أحمد، فِي رواية الأثرم، وهو قول مالك، وروي عن عطاء ما يدل عليه. قَالَ: وحكي عن أحمد رواية أخرى، أن الذبح يجوز ليلًا، وهو اختيار أصحابنا المتأخرين، وقول الشافعيّ،


(١) وعلّقه البخاريّ فِي "صحيحه" فِي "باب أضحية النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بكبشين … " منْ "كتاب الأضاحي" ٧/ ١٣٠.
(٢) راجع "الفتح" ١١/ ١٢٤ "كتاب الأضحية".