عليها المروة أيضًا، وكذلك رواه أبو داود فِي هَذَا الْحَدِيث:"أفنذكّي بالمروة؟ " مكان اللَّيط، والشّظاظ: فِلْقة العود، فهذه كلّها إذا قُطع بها الودجان، والحلقوم جازت الذبيحة، غير أنه لا يذبح بها إلا عند عدم الشِّفَار، وما يتنزّل منزلتها؛ لما ثبت منْ الأمر بحدّ الأشفار، وتحسين الذبح، والنهي عن تعذيب الحيوان، وَقَدْ نبّه مالك عَلَى هَذَا لَمّا ترجم عَلَى الذكاة بالشِّظَاظ:"ما يجوز منْ الذكاة عَلَى الضرورة".
ومعنى هَذَا السؤال أنهم لَمّا كانوا عازمين عَلَى قتال العدوّ، صانوا ما عندهم منْ السيوف، والأسنّة، وغير ذلك عن استعمالها فِي الذبح؛ لأن ذلك ربّما يفسد الآلة، أو يَعِيبها، أو ينقُص قطعها، ولم تكن لهم سكاكين صغار مُعدّة للذبح، فسألوا هل يجوز لهم الذبح بغير محدّد السلاح؟ فأجابهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما يقتضي الجواز، وَقَدْ دخل فِي هَذَا العموم أن كلّ آلة تقطع ذبحًا، أو نحرًا، فالذكاة بها مبيحة للذبيحة، والحديد الْمُجْهِز أولى؛ لما تقدّم، ولا يُستثنى منْ الآلات شيء إلا السنّ، والظفر عَلَى ما يأتي. انتهى كلام القرطبيّ.
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أي أساله، وصبه بكثرة، ووزنه أفعل، منْ النهر، شُبِّهَ خُروج الدم بجري الماء فِي النهر. قَالَ عياض: هَذَا هو المشهور فِي الروايات بالراء، وذكره أبو ذر الخشني بالزاي، وَقَالَ النهز بمعنى الرفع، وهو غريب، و"ما" موصولة، فِي موضع رفع بالابتداء، وخبرها "فكلوا"، والتقدير: ما أنهر الدم، فهو حلال، فكلوا. ويحتمل أن تكون شرطية. ووقع فِي رواية أبي إسحاق، عن الثوري: "كل ما أنهر الدم ذكاة"، و"ما" فِي هَذَا موصوفة.
[تنبيه]: زاد فِي رواية الشيخين قبل قوله: "ما أنهر الدم الخ" قولَهُ: "أعجل، أو أرن" قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "المفهم" ٥/ ٣٧٠ - ٣٧٢ - : هَذَا الحرف وقع فِي كتاب البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، واختلف الرواة فِي تقييده عَلَى أربعة أوجه:[الأول]: قيده النسفيّ، وبعض رواة البخاريّ: "أَرِنْ" بكسر الراء، وسكون النون، مثل أقِمْ. [الثاني]: قيّده الأصيليّ: "أَرِنِي" بكسر النون، بعدها ياء المتكلّم. [الثالث]: قيّده بعض رُواة مسلم كذلك، إلا أنه سكّن الراء. [الرابع]: قيّده فِي كتاب أبي داود بسكرن الراء، ونون مطلقة. هذه التقييدات المنقولة. قَالَ الخطّابيّ: وطالما استثبتُّ فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم، فلم أجد عند أحد منهم ما يُقطع بصحّته.
قَالَ القرطبيّ: قَالَ بعض علمائنا فِي الوجه الأول: هو بمعنى قد أنشط، وأسرع، فهو بمعنى أعجل، فكأنه يشير إلى أنه شكٌّ وقع منْ أحد الرواة فِي أيّ اللفظين قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ القرطبيّ: وهذه غفلة؛ إذ لو كَانَ منْ الأرَن الذي بمعنى النشاط،