الأحوص، ولعله عرف ذلك بخبر منْ صدقه، أو بالقرائن، وفي رواية البخاريّ منْ طريق أبي عوانة:"إنا لنرجو، أو نخاف" بالشك منْ الراوي، قَالَ فِي "الفتح": وفي التعبير بالرجاء إشارة إلى حرصهم عَلَى لقاء العدو؛ لما يرجونه منْ فضل الشهادة، أو الغنمية، وبالخوف إشارة إلى إنهم لا يحبون أن يهجم عليهم العدو بغتة. وفي رواية يزيد بن هارون عن الثوري عند أبي نعيم فِي "المستخرج عَلَى مسلم": "إنا نلقى العدو غدا، وإنا نرجو"، كذا بحذف متعلق الرّجاء، ولعل مراده الغنيمة. انتهى.
والحديث مختصر، وَقَدْ ساقه البخاريّ مطوّلًا منْ طريق أبي عوانة، عن سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة بن رافع، عن جده رافع بن خديج، قَالَ: كنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة، فأصاب النَّاس جوع، فأصبنا إبلا وغنما، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أخريات النَّاس، فعجلوا، فنصبوا القدور، فدفع إليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فأمر بالقدور فأكفئت، ثم قسم، فعدل عشرة منْ الغنم ببعير، فَنَدَّ منها بعير، وكان فِي القوم خيل يسيرة، فطلبوه، فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم، فحبسه الله، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن لهذه البهائم أوابد، كاوابد الوحش، فما نَدَّ عليكم منها فاصنعوا به هكذا"، قَالَ: وَقَالَ جدي: إنا لنرجو، أو نخاف أن نلقى العدو غدا، وليس معنا مُدًى أفنذبح بالقصب؟، فَقَالَ:"ما أنهر الدم، وذُكِر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر، وسأخبركم عنه، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة".
(وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى) -بضم أوله، مخففًا، مقصورًا- جمع مدية -بسكون الدال، بعدها تحتانية-: وهي السكين، سميت بذلك؛ لأنها تقطع مدى الحيوان، أي عمره، والرابط بين قوله نلقي العدو، وليست معنا مدى، يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدو، صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه، ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون، إلى ذبح ما يأكلونه؛ ليتقووا به عَلَى العدو، إذا لقوه، ويؤيده ما تقدم منْ قسمة الغنم، والإبل بينهم، فكان معهم ما يذبحونه، وكرهوا أن يذبحوا بسيوفهم؛ لئلا يضر ذلك بحدها، والحاجة ماسة له، فسأل عن الذي يُجزىء فِي الذبح، غير السكين والسيف، وهذا وجه الحصر فِي المدية والقصب ونحوه، مع إمكان ما فِي معنى المدينة، وهو السيف. وَقَدْ وقع فِي حديث غير هَذَا:"إنكم لاقوا العدو غدا، والفطر أقوى لكم"، فندبهم إلى الفطر ليتقووا. قاله فِي "الفتح" ١١/ ٥٥.
وزاد فِي رواية البخاريّ:"أفنذبح بالقصب؟ ". وفي رواية لمسلم:"فنُذكّي بالليط" قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "المفهم" ٥/ ٣٦٧ - ٣٦٨: وهو قطع القصب، والشَّظير: قطعة العصا، والظُّرَر: قطعة الحجر، ويُجمع عَلَى ظِرّان، ويقال