للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعينها، وسال الدم، فأرجو -إن شاء الله تعالى- أن لا يكون بأكلها بأس. ورَوَى ذلك بإسناده عن عُبيد بن عُمير، وطاوس، وقالا: تحركت، ولم يقولا: سال الدم، وهذا عَلَى مذهب أبي حنيفة. وَقَالَ إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن شاة مريضة، خافوا عليها الموت، فذبحوها، فلم يُعلّم منها أكثر منْ أنها طَرَفت بعينها، أو حركت يدها، أو رجلها، أو ذنبها بضعف، فنهر الدم، قَالَ: فلا بأس به. وَقَالَ ابن أبي موسى: إذا انتهت إلى حدّ لا تعيش معه، لم تُبَح بالذكاة، ونص عليه أحمد، فَقَالَ: إذا شَقّ الذئب بطنها، فخرج قُصْبها فذبحها، لا تأكل، وَقَالَ: إن كَانَ يُعلم أنها تموت منْ عقر السبع، فلا تؤكل، وإن ذَكّاها، وَقَدْ يَخافُ عَلَى الشاة الموتَ منْ العلة، والشيءِ يصيبها، فيبادرها، فيذبحها، فيأكلها، وليس هَذَا مثل هذه، لا يَدري لعلها تعيش، والتي قد خرجت أمعاوها، يُعلم أنها لا تعيش، وهذا قول أبي يوسف.

والأول أصح؛ لأن عمر رضي الله عنه، انتَهَى به الجرح إلى حَدّ عُلم أنه لا يعيش معه، فَوَصَّى، فقبلت وصاياه، ووجبت العبادة عليه، وفيما ذكرنا منْ عموم الآية والخبر، وكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لم يَستَفصِل فِي حديث جارية كعب، ما يَرُدُّ هَذَا، وتُحمل نصوص أحمد، عَلَى شاة خرجت أمعاؤها، وبانت منها، فتلك لا تحل بالذكاة؛ لأنها فِي حكم الميت، ولا تبقى حركتها، إلا كحركة المذبوح، فأما ما خرجت أمعاؤها، ولم تبن منها، فهي فِي حكم الحياة، تباح بالذبح، ولهذا قَالَ الْخِرَقيّ، فيمن شَقّ بطن رجل، فأخرج حِشْوَته، فقطعها، فأبانها، ثم ضرب عنقه آخر، فالقاتل هو الأول، ولو شق بطن رجل، وضرب عنقه آخر، فالقاتل هو الثاني، وَقَالَ بعض أصحابنا: إذا كانت تعيش معظم اليوم، حَلَّت بالذكاة، وهذا التحديد بعيد، يخالف ظواهر المنصوص، ولا سبيل إلى معرفته، وقوله فِي حديث جارية كعب: "فأدركتها، فذكتها بحجر"، يدُلّ عَلَى أنها بادرتها بالذكاة، حين خافت موتها فِي ساعتها، والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمنا، يكون الموت بالذبح أسرع منه، حَلَّت بالذبح، وأنها متى كانت مما لا يُتَيَقَّن موتها، كالمريضة أنها متى تحركت، وسال دمها، حَلَّت. والله أعلم. انتهى كلام ابن قُدامة.

"تفسير القرطبيّ" ٦/ ٥٠: عند قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} الآية [المائدة: ٣]: ما نصه: نُصب عَلَى الإستثناء المتصل، عند الجمهور، منْ العلماء والفقهاء، وهو راجع عَلَى كل ما أُدرك ذكاته، منْ المذكورات، وفيه حياة، فإن الذكاة عاملة فيه؛ لأن حق الإستثناء، أن يكون مصروفا إلى ما تقدم منْ الكلام، ولا يجعل منقطعا إلا بدليل، يجب التسليم له. رَوَى ابنُ عيينة، وشريك، وجرير، عن الرُّكَين بن الرَّبيع، عن أبي طلبة الأسدي، قَالَ: سألت ابن عباس، عن ذئب عدا عَلَى شاة، فشَقَّ بطنها، حَتَّى انتثر قُصَبها، فأَدركت ذكاتها، فذكيتها؟ فَقَالَ: كُلْ، وما انتثر منْ قصبها فلا تأكل. قَالَ