إسحاق بن راهويه: السنة فِي الشاة، عَلَى ما وصف ابن عباس، فإنها وإن خرجت مصارينها، فإنها حية بعدُ، وموضع الذكاة منها سالم، وإنما يُنظر عند الذبح، أحية هي، أم ميتة؟، ولا يُنظر إلى فعلٍ، هل يعيش مثلها، فكذلك المريضة، قَالَ إسحاق: ومن خالف هَذَا، فقد خالف السنة، منْ جمهور الصحابة، وعامة العلماء.
قَالَ القرطبيّ: وإليه ذهب ابن حبيب، وذُكِر عن أصحاب مالك، وهو قول ابن وهب، والأشهر منْ مذهب الشافعيّ، قَالَ الْمُزَني: وأحفظ للشافعي قولا آخر: أنها لا تؤكل، إذا بلغ منها السبع، أو التردي إلى ما لا حياة معه، وهو قول المدنيين، والمشهور منْ قول مالك، وهو الذي ذكره عبد الوهاب، فِي تلقينه، ورُوِيَ عن زيد بن ثابت، ذَكَره مالك فِي "موطئه"، لااليه ذهب إسماعيل القاضي، وجماعة المالكيين البغداديين، والاستثناء عَلَى هَذَا القول منقطع: أي حرمت عليكم هذه الأشياء، لكن ما ذكيتم، فهو الذي لم يُحَرَّم. قَالَ ابن العربي: اختَلَفَ قول مالك فِي هذه الأشياء، فرُوي عنه أنه لا يؤكل إلاما ذُكِّي بذكاة صحيحة، والذي فِي "الموطإ" أنه إن كَانَ ذبحها، ونفسها يَجري، وهي تضطرب، فليَأكُل، وهو الصحيح منْ قوله، الذي كتبه بيده، وقرأه عَلَى النَّاس منْ كلّ بلد طولَ عمره، فهو أولى منْ الروايات النادرة، وَقَدْ أطلق علماؤنا عَلَى المريضة، أن المذهب جواز تذكيتها، ولو أشرفت عَلَى الموت، إذا كَانَ فيها بقية حياة، وليت شِعري أيُّ فرق بين بقية حياة مَنْ مَرِضَ، وبقية حياة منْ سُبعَ لو اتسق النظر، وسلمت منْ الشبهة الفِكَر.
وَقَالَ أبو عمر: قد أجمعوا فِي المريضة، التي لا ترجى حياتها، أنّ دبحها ذكاة لها، إذا كانت فيها الحياة، فِي حين ذبحها، وعُلم ذلك منها، بما ذكروا منْ حركة يدها، أو رجلها، أو ذنبها، أو نحو ذلك، وأجمعوا أنها إذا صارت فِي حال النزع، ولم تُحرِّك يدا، ولا رجلا، أنه لا ذكاة فيها، وكذلك ينبغي فِي القياس، أن يكون حكم المتردية، وما ذكر معها فِي الآية. والله أعلم. انتهى كلام القرطبيّ. رحمه الله تعالى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن أرجح الأقوال قول منْ أطلق جواز أكل ما جرحه السبع، وما ذُكر فِي الآية منْ المتردّية، والنطيحة، إذا أُدرك حيًّا، مطلقًا، سواء كَانَ يعيش مع الجرح، أم لا؟؛ لإطلاق الآية، وحديث جارية كعب -رضي الله عنه- المتّفق عليه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".