الإطعام (الْغَنيُّ) بالرفع عَلَى الفاعليّة (الْفَقِيرَ) بالنصب عَلَى المفعوليّة (ثُمَّ قَالَتْ) هكذا فِي بعض نسخ "المجتبى"، وهو الصواب، ووقع فِي معظم نسخه، و"الكبرى" بلفظ "قَالَ"، وهو خطأ فاحش؛ لأن قوله:"لقد رأيت الخ" منْ كلام عائشة قطعًا، فلا يناسبه معه لفظ "قَالَ"، وإنما المناسب "قالت"، فتنبّه.
(لَقَدْ رَأَيْتُ آلَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، يَأْكُلُونَ الْكُرَاعَ) بضم الكاف، وتخفيف الراء، قَالَ الفيّوميّ: الكراع وزان غُراب منْ الغنم والبقر بمنزلة الْوَظِيف منْ الفرس، وهو مُستدقّ الساعد، والكراع أنثى، والجمع أَكْرُع، مثلُ فلس وأفلُس، ثم تُجمع الأكرع عَلَى أكارع، قَالَ الأزهريّ: الأكارع للدابّة قوائمها، ويقال للسَّفِلَة منْ النَّاس: أكارع؛ تشبيهًا بأكارع الدوابّ؛ لأنها أسافل. انتهى.
ولفظ البخاريّ:"وإن كنّا لنرفع الكراع، فنأكله بعد خمس عشرة"، وفيه بيان جواز ادّخار اللحم، وأكل القديد.
(بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ) أي ليلة (قُلْتُ: مِمَّ ذَاكَ؟) أي لأيّ سبب ادّخاركم الكراع؟. (فَضَحِكَتْ) أي متعجّبة منْ قلة معيشتهم، ومستغربة سؤاله عن ذلك، مع أنه معروف، مشهور لدى النَّاس (فَقَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، مِنْ خُبْزٍ مَأْدُوم) اسم مفعول، منْ أَدَمَه، يقال: أَدَمْتُ الخبزَ، منْ باب ضرب، وآدمته بالمدّ لغة فيه: إذا أصلحتَ إساغته بالإدام، والإدام بالكسر: ما يؤتَدم به، مائعًا كَانَ، أو جامدًا، وجمعه أُدُمٌ بضمّتين، ككتاب وكتُب، ويسكّن للتخفيف، فيُعامل معاملة المفرد، ويجمع عَلَى آدام، مثل قُفْل وأقفال. أفاده الفيّوميّ.
(ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ") بفتح اللام، وكسر الحاء المهملة، منْ باب تعب، أىِ حَتَّى مات النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَقِيَ ربّه عز وجل، وأرادت عائشة رضي الله عنها بهذا قلّة اللحم عندهم، بحيث إنهم لم يكونوا يشبعون منْ خبز فيه إدام أيامًا متوالية، فضلاً عن كثر أكل اللحم.
والحديث متَّفقٌ عليه، أخرجه البخاريّ بتمامه، ومسلم جملة الشبع بنحوه، وَقَدْ سبق تمام البحث فيه فِي الْحَدِيث الماضي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.