(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم ذبيحة منْ لم يُعرف، هل سمّى الله تعالى عليها، أم لا؟، وهو الحلّ؛ حملاً لحال المسلم عَلَى الصلاح. (ومنها): ما كَانَ عليه الصحابة -رضي الله عنهم- منْ الورع، حيث إنهم لم يكتفوا بظاهر الحال، بل تورّعوا عن أكل ما أتى به منْ لم يُعرف حاله، حَتَّى سألوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فبيّن لهم أنه حلال.
(ومنها): ما قاله المهلب رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث أصل فِي أن التسمية على الذبيحة لا تجب؛ إذ لو كانت واجبة، لاشترطت عَلَى كل حال، وَقَدْ أجمعوا عَلَى أن التسمية عَلَى الأكل ليست فرضا، فلما نابت عن التسمية عَلَى الذبح، دَلّ عَلَى أنها سنة؛ لأن السنة لا تنوب عن الفرض (١)، ودل هَذَا عَلَى أن الأمر فِي حديث عدي، وأبي ثعلبة محمول عَلَى التنزيه، منْ أجل إنهما كانا يصيدان عَلَى مذهب الجاهلية، فعلّمهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر الصيد والذبح، فرضه ومندوبه؛ لئلا يواقعا شبهة منْ ذلك، وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان، وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح، فإنهم سألوا عن أمر قد وقع، ويقع لغيرهم، ليس فيه قدرة عَلَى الأخذ بالأكمل، فعرّفهم بأصل الحل فيه. وَقَالَ ابن التين: يحتمل أن يراد بالتسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النوويّ، قَالَ ابن التين: وأما التسمية عَلَى ذبح، تولاه غيرهم، منْ غير علمهم، فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يُحمل عَلَى غير الصحة، إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن، تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا، أذُكر اسم الله عليه أم لا؟، إذا كَانَ الذابح، ممن تصح ذبيحته إذا سَمَّي.
(ومنها): أنه يستفاد منه أن كل ما يوجد فِي أسواق المسلمين، محمول عَلَى الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين؛ لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البرّ، فَقَالَ: فيه أن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويُحمَل عَلَى أنه سَمَّى؛ لأن المسلم لا يُظَن به فِي كل شيء إلا الخير، حَتَّى يتبين خلاف ذلك، وعَكَسَ هَذَا الخطابيّ، فَقَالَ: فيه دليل عَلَى أن التسمية غير شرط عَلَى الذبيحة؛ لأنها لو كانت شرطا، لم تُستَبَح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عَرَض الشك فِي نفس الذبح، فلم يُعلَم، هل وقعت الذكاة المعتبرة، أو لا، وهذا هو المتبادر منْ سياق الْحَدِيث، حيث وقع الجواب فيه:"فسموا أنتم، وكلوا"، كأنه قيل لهم: لا تهتموا بذلك، بل الذي يُهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله، وتأكلوا، وهذا منْ أسلوب الحكيم، كما نَبّه عليه الطيبي، ومما يدل عَلَى عدم الاشتراط، قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
(١) كلام المهلب هَذَا فيه نظر لا يخفى، وَقَدْ تقدم أن الراجح وجوب التسمية عَلَى الذبيحة؛ لوضوح أدلته، فلا تغفل. والله تعالى أعلم.