لأن الناس إذا تحاموا اتخاذهم لم يرغب أهل الفسق في إخصائهم، ثم ذكر بسنده عن العلاء بن عيسى الذهبي أنه قال: أتي عمر بن عبد العزيز بخصي فكره أن يبتاعه، وقال: ما كنت لأعين على الخصاء، فكل شيء في ترك كسبه ترك لبعض أهل المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه، فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها دل ذلك على أن النهي الذي في الأثر الأول لم يرد به التحريم ولكنه أريد به معنى آخر، ثم ذكر أحاديث ركوبه - صلى الله عليه وسلم - على البغال، ثم قال: فإن قال قائل: فما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"، قيل له: قد قال أهل العلم في ذلك: معناه أن الخيل قد جاء في ارتباطها واكتسابها وعلفها الأجر، ليس ذلك في البغال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ينزو فَرَسٌ على فرس حتى يكون عنهما ما فيه الأجر، ويَحمِل حمارا على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر فيه الذين لا يعلمون، أي لأنهم يتركون بذلك إنتاج ما في ارتباطه الأجر وينتجون ما لا أجر في ارتباطه، ثم ذكر أحاديث فضل ارتباط الخيل، ثم
قال: فإن قال قائل: فما معنى اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم بالنهي عن
إنزاء الحمير على الخيل؟ قيل له: لما حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا أبو عمر الحوضي، قال: حدثنا المرَجَّا هو ابن رجاء، قال: حدثنا أبو جهضم، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: ما اختصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بثلاث: "أن لا نأكل الصدقة وأن نسبغ الوضوء وأن لا ننزي حمارا على فرس"، قال عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت فحدثته، فقال: صدق، كانت الخيل قليلة في بني هاشم، فأحب أن تكثر فيهم، فبين عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي له اختص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم أن لا تنزوا الحمار على فرس، وأنه لم يكن للتحريم، وإنما كانت العلة قلة الخيل فيهم، فإذا ارتفعت تلك العلة وكثرت الخيل في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم. وفي اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم بالنهي