للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أريد به الخصوص. وقيل: مجملٌ، بَيّنَتْه السنة، وكل هذه الأقوال تقتضي أن المفرد المحلى بالألف واللام يعم، والقول الرابع: أن اللام فِي {الْبَيْعَ} للعهد، وإنها نزلت بعد أن أباح الشرع بيوعا، وحرم بيوعا، فأريد بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}: أي الذي أحله الشرع منْ قبل، ومباحث الشافعيّ وغيره، تدل عَلَى أن البيوع الفاسدة، تسمى بيعا، وإن كانت لا يقع بها الحنث؛ لبناء الأيمان عَلَى العرف، قَالَ: وقوله عز وجل: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} الآية [البقرة: ٢٨٢] تدل عَلَى إباحة التجارة فِي البيوع الحالّة، ويدل أول الآية -يعني آية المداينة فِي البيوع المؤجلة. انتهى "فتح" بتصرّف.

وَقَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: البيع مبادلة المال بالمال، تمليكا وتملكا، واشتقاقه منْ الباع؛ لأن كل واحد منْ المتعاقدين يَمُدّ باعه للأخذ والإعطاء، ويحتمل أن كل واحد منهما كَانَ يبايع صاحبه: أي يصافحه عند البيع، ولذلك سُمّي البيع صفقة. وَقَالَ بعض أصحابنا: هو الإيجاب والقبول، إذ تضمن عينين للتمليك، وهو حدّ قاصر؛ لخروج بيع المعاطاة منه، ودخول عقودٍ سوى البيع فيه.

والبيع جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب، فقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} الآية [البقرة: ٢٧٥]، وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} الآية [النِّساء: ٢٩]، وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} الآية [البقرة: ١٩٨]. وروى البخاريّ، عن ابن عباس، قَالَ: كانت عكاظ، ومَجَنَّةُ، وذو المجاز أسواقًا فِي الجاهلية، فلما كَانَ الإِسلام تأثموا فيه، فأُنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، يعني فِي مواسم الحج. وعن الزبير نحوه.

وأما السنة فقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "البَيِّعَان بالخيار، ما لم يتفرقا"، متّفقٌ عليه. وروى رِفاعة -رضي الله عنه-، أنه خرج مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى، فرأى النَّاس يتبايعون، فَقَالَ: "يا معشر التجار"، فاستجابوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعوا أعناقهم، وأبصارهم إليه، فَقَالَ: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فُجّارا، إلا منْ بَرّ، وصَدَقَ"، قَالَ الترمذي: هَذَا حديث حسن صحيح (١). وروى أبو سعيد، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "التاجر الصدوق الأمين، مع النبيين، والصديقين، والشهداء"، قَالَ الترمذي: هَذَا حديث حسن (٢)، فِي أحاديث


(١) بل فِي سنده إسماعيل بن عبيد لم يرو عنه غير ابن خثيم، فهو مجهول عين.
(٢) بل هو ضعيف، فإن فيه انقطاعًا؛ لأن الحسن البصريّ لم يسمع منْ أبي سعيد الخدريّ، كما فِي ترجمته منْ "تهذيب التهذيب" ١/ ٣٨٩ - ٣٩٠.