وأجمع المسلمون عَلَى جواز البيع فِي الجملة، والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما فِي يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي شرع البيع، وتجويزه شرع طريق إلى إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه، ودفع حاجته. انتهى كلام ابن قُدامة.
وَقَالَ العلّامة العينيّ رحمه الله تعالى: ثم للبيع تفسيرٌ لغة، وشرعًا، وركنٌ، وشرطٌ، ومحلٌّ، وحكمٌ، وحكمة، أما تفسيره لغة، فمطلق المبادلة، وهو ضدّ الشراء، والبيع الشراء أيضاً، باعه الشيء، وباعه منه جميعاً فيهما، وابتاع الشيء: اشتراه، وأباعه: عرّضه للبيع، وأما تفسيره شرعًا، فهو مبادلة المال بالمال عَلَى سبيل التراضي، وأما ركنه، فالإيجاب والقبول.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: كون الإيجاب والقبول ركنا للبيع فيه نظر، والصحيح أنهما ليسا ركنًا له، كما سيأتي قريباً، إن شاء الله تعالى.
قَالَ: وأما شرطه، فأهليّة المتعاقدين، وأما محلّه فهو المال؛ لأنه يُنبىء عنه شرعًا. وأما حُكمه، فهو ثبوت الملك للمشتري فِي المبيع، وللبائع فِي الثمن، إذا كَانَ تامًا، وعند الإجازة إذا كَانَ موقوفاً. وأما حِكمته، فهي كثيرةٌ:
(منها): اتّساع أمور المعاش والبقاء. (ومنها): إطفاء نار المنازعات، والنهب، والسرقة، والطرّ، والخيانات، والحيل المكروهة. (ومنها): بقاء نظام المعاش، وبقاء العالم؛ لأن المحتاج يميل إلى ما فِي يد غيره، فبغير المعاملة، يفضي إلى القاتل، والتنازع، وفناء العالم، واختلال نظام المعاش، وغير ذلك.
وثبوته بالكتاب؛ لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. والسنّة، وهي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بُعث والناس يتعاملون، فأقرّهم عليه، والإجماع منعقد عَلَى شرعيّته. انتهى "عمدة القاري" باختصار ٩/ ٢٣٧ - ٢٣٨. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تبيه]: قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: البيع عَلَى ضربين:
(أحدهما): الإيجاب والقبول، فالإيجاب أن يقول: بعتك، أو ملّكتك، أو لفظ يدل عليهما، والقبول أن يقول، اشتريت، أو قبلت، ونحوهما، فإن تقدم القبول عَلَى الإيجاب، بلفظ الماضي، فَقَالَ: ابتعت منك، فَقَالَ: بعتك صح؛ لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما، عَلَى وجه تحصل منه الدلالة، عَلَى تراضيهما به، فصح كما لو تقدم الإيجاب، وإن تقدم بلفظ الطلب، فَقَالَ: بعني ثوبك، فَقَالَ: بعتك، ففيه روايتان: إحداهما: يصح كذلك، وهو قول مالك، والشافعي، والثانية: لا يصح، وهو