للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمراد المكسوب الحاصل بالطلب، والجدّ فِي تحصيله بالوجه المشروع. انتهى (مِنْ كَسْبِهِ) أي مما كسبه بنفسه، منْ غير واسطة. وَقَالَ السنديّ: أي منْ المكسوب الحاصل بالجَدّ والطلب، ومباشرة أسبابه. انتهى (وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبهِ") أي لأنه بعضه، وحكم بعضه حكم نفسه، وسُمّي الولد كسبًا مجازًا. قاله المناوَيّ. وفي رواية عند أحمد: "إن ولد الرجل منْ أطيب كسبه، فكلوا منْ أموالهم هنيئا". وفي حديث جابر -رضي الله عنه-: "أنت ومالك لأبيك". قَالَ ابن رسلان: اللام للإباحة، لا للتمليك؛ لأن مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه. انتهى.

قَالَ الإِمام الترمذيّ رحمه الله تعالى فِي "جامعه": والعمل عَلَى هَذَا عند بعض أهل العلم، منْ أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم، قالوا: إن يد الوالد مبسوطة فِي مال ولده، يأخذ ما شاء، وَقَالَ بعضهم: لا يأخذ منْ ماله إلا عند الحاجة إليه. انتهى.

وَقَالَ الشوكانيّ رحمه الله تعالى: الْحَدِيث يدلّ عَلَى أن الرجل مشارك لولده فِي ماله، فيجوز له الأكل منه، سوأء أذن له الولد، أو لم يأذن، ويجوز له أيضًا أن يتصرّف به كما يتصرّف بماله، ما لم يكن ذلك عَلَى وجه السرَف، والسَّفَه. وَقَدْ حكى فِي "البحر" الإجماع عَلَى أنه يجب عَلَى الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين. انتهى.

وَقَالَ ابن الهمام رحمه الله تعالى بعد ذكر حديث عائشة المذكور: [فإن قيل]: هَذَا يقتضي أن له ملكًا ناجزًا فِي ماله. [قلنا]: نعم، لو لم يُقيّده حديث رواه الحاكم، وصححه، والبيهقيّ عنها، مرفوعًا: "إن أولادكم هبة، يهب لمن يشاء إناثًا، ويهب لمن يشاء الذكور، وأموالهم لكم، إذا احتجتم إليها"، ومما يؤيّد أن الْحَدِيث مؤول أنه تعالى ورّث الأب منْ ابنه السدس، مع ولد ولده، فلو كَانَ الكلّ ملكه، لم يكن لغيره شيء، مع وجوده. انتهى بتصرّف.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ادّعاه ابن الهمام منْ التقييد مستدلاً بالحديث المذكور، غير صحيح؛ لأن قوله: "إذا احتجتم إليها" زيادة غير صحيحة، فقد قَالَ أبو داود رحمه الله فِي "سننه": حماد بن أبي سليمان زاد فيه: "إذا احتجتم" وهو منكر. انتهى. ونقل الحافظ فِي "التلخيص": عن ابن المبارك، عن سفيان، قَالَ: حدّثنا به حمّاد، ووهم فيه. انتهى.

فثبت بهذا أن القيد بالحاجة غير معتبر، بل للوالد أن يتصرف فِي مال ولده مطلقًا عَلَى ما هو ظاهر النصّ، وَقَدْ أخرج أبو داود، وابن ماجه منْ حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن رجلاً قَالَ: يا رسول الله، إن لي مالاً، وولدًا، وإن والدي يجتاح مالي، قَالَ: "أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم منْ أطيب كسبكم، فكلوا منْ