تعالى عنهما. وأخرج أبو عوانة فِي "صحيحه" منْ طريق أبي حَرِيز -وهو بفتح الحاء المهملة، وآخره زاي- عن الشعبيّ، أن النعمان بن بشير، خطب به بالكوفة. وفي رواية لمسلم أنه خطب به بحمص. قَالَ الحافظ: ويُجمع بينهما بأنه سمع منه مرّتين، فإنه قد ولي إمرة البلدين، واحدة بعد أخرى. وزاد مسلم، والإسماعيليّ منْ طريق زكرياء بن أبي زائدة، عن الشعبيّ فيه:"وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه، يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول. وفيه ردّ لقول الواقديّ، ومن تبعه: إن النعمان لا يصحّ سماعه منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفيه دليلٌ عَلَى صحّة تحمّل الصبيّ المميّز؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مات، وللنعمان ثمان سنين. انتهى. "الفتح" ١/ ١٧٢ "كتاب الإيمان" رقم ٥٢.
(قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-) وقوله (فَوَاللهِ لَا أَسْمَعُ بَعْدَهُ أَحَدًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم-) جملة معترضة، والظاهر أنه منْ كلام الشعبيّ، ولعه أراد به أنه آخر منْ سمع منه منْ الصحابة الذين يروون عنه -صلى الله عليه وسلم- مباشرة. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ السنديّ فِي "شرحه" ٧/ ٢٤٢: ليس المعنى كلّ ما هو حلالٌ عند الله تعالى، فهو بيّن بوصف الحلّ، يعرفه كلّ أحد بهذا الوصف، وأن ما هو حرام عند الله تعالى، فهو كذلك، وإلا لم يبق المشتبهات، وإنما معناه والله تعالى أعلم- أن الحلال منْ حيث الحكم تبيّن بأنه لا يضرّ تناوله، وكذا الحرام بأنه يضرّ تناوله، أي هما بيّنان، يَعرف النَّاس حكمهما، لكن ينبغي أن يعلم النَّاس حكم ما بينهما، منْ المشتبهات بأن تناوله يخرج منْ الورع، ويقرب إلى تناول الحرام، وعلى هَذَا فقوله:"الحلال بيّن، والحرام بيّنٌ" اعتذار لترك ذكر حكمهما. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي فسّر به السنديّ هَذَا الْحَدِيث فيه نظرٌ، إذ ظاهر السياق يأباه، بل الذي يظهر أن كلًّا منْ الحلال والحرام بيّنٌ متّضح لكل أحد له معرفة بأمور الدين، حيث نصّ عليه فِي الكتاب، أو السنّة، أو الإجماع، وهناك أمور تشتبه عَلَى كثيرين، حيث إن لها شبهًا بالحلال، وشبها بالحرام، فلا يتبيّن أمرها لكثير منْ النَّاس، وإنما يعلمها خواصّ العلماء الذين لهم رسوخ فِي معرفة النصوص، فيُلحقونها بما هي قريبة الشبه له منْ النوعين. والله تعالى أعلم.
قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "الحلال بيّن الخ" يعني أن كلّ واحد منهما مبين بأدلّته فِي كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تأصيلاً، وتفصيلاً، فمن وقف عَلَى ما فِي كتاب الله، والسنّة منْ ذلك وجد فيهما أمورًا جليّة التحليل، وأمورًا