جليّة التحريم، وأمورًا متردّدة بين التحليل والتحريم، وهي التي تتعارض فيها الأدلّة، فهي المتشابهات. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٨٨.
وَقَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم" ١١/ ٢٩: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بيّن الخ" معناه: أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلالٌ بيّن واضحٌ، لا يخفى حلّه، كالخبز، والفواكه، والزيت، والعسل، والسمن، ولبن مأكول اللحم، وبيضه، وغير ذلك منْ المطعومات، وكذلك الكلام، والنظر، والمشي، وغير ذلك منْ التصرّفات، فيها حلال بيّن واضح، لا شكّ فِي حلّه.
وأما الحرام البيّن، فكالخمر، والخنزير، والميتة، والبول، والدم المسفوح، وكذلك الزنا، والكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر إلى الأجنبيّة، وأشباه ذلك. انتهى.
(وِإنَّ بَيْنَ ذَلِكَ) أي بين الحلال والحرام البينين (أُمُورًا مُشْتَبِهَاتٍ) بوزن مُفْتَعِلات، بتاء مفتوحة، وعين خفيفة مكسورة، بصيغة اسم الفاعل، منْ اشتبه، وهي رواية ابن ماجه، والمعنى أنها موحدة اكتسبت الشبه منْ وجهين متعارضين، ولفظ البخاريّ:"وبينهما مُشَبَّهات"، بوزن مُفَعَّلات، بتشديد العين المفتوحة، وهي فِي رواية مسلم: أي شُبِّهَت بغيرها، مما لم يتبين به حكمها عَلَى التعيين، ورواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاريّ فيه بلفظ وبينهما متشابهات.
وحاصل المعنى: أنها لا يتّضح أمرها، أي منْ الحلال هي، أو منْ الحرام، وذلك الاشتباه عَلَى بعض الناس بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان:"لا يعلمها كثير منْ النَّاس"، وفي رواية الترمذيّ:"لا يدري كثير منْ النَّاس، أمن الحلال هي، أم منْ الحرام"، فمفهوم قوله:"كثير" أن معرفة حكمها ممكن، لكن للقليل منْ النَّاس، وهم المجتهدون، فالشبهات عَلَى هَذَا فِي حقّ غيرهم، وَقَدْ تقع لهم، حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين. قاله فِي "الفتح".
وَقَالَ النوويّ: أما المشتبهات، فمعناها: أنها ليست بواضحة الحلّ، ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير منْ النَّاس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء، فيعرفون حكمها بنصّ، أو استصحاب، أو غير ذلك، فإذا تردّد الشيء بين الحلّ والحرمة، ولم يكن فيه نصّ، ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعيّ، فإذا ألحقه به صار حلالاً، وَقَدْ يكون دليله غير خال عن الاحتمال البيّن، فيكون الورع تركه، ويكون داخلاً فِي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن اتّقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه"، وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء، وهو مشبه، منه، يأخذ بحلّه، أم بحرمته، أم يتوقّف؟ فيه ثلاثة مذاهب، حكاها القاضي عياض وغيره، والظاهر أنها مُخرّجة عَلَى الخلاف المذكور فِي