فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة بحيث يأمن فيها منْ وقوع الشاذّة والفاذّة، وهكذا محارم الله تعالى، لا ينبغي أن يحوم حولها، مخافة الوقوع فيها. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٩٣.
وَقَالَ فِي "الفتح": الحمى: الْمَحْمِيّ، أُطلق المصدر عَلَى اسم المفعول، وفي اختصاص التمثيل بذلك نكتة، وهي أن ملوك العرب، كانوا يَحمُون لمراعي مواشيهم، أماكن مختصة، يَتَوَعّدون منْ يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة، فَمَثَّل لهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما هو مشهور عندهم، فالخائف منْ العقوبة، المراقب لرضا الملك يَبعُد عن ذلك الحمى، خشية أن تقع مواشيه فِي شيء منه، فبُعدُه أسلم له، ولو اشتدّ حذره، وغير الخائف المراقب يَقرُب منه، ويَرعى منْ جوانبه، فلا يَأمن أن تنفرد الفاذّة، فتقع فيه بغير اختياره، أو يُمْحِل المكان الذي هو فيه، ويقع الْخِصْب فِي الحمى، فلا يملك نفسه أن يقع فيه، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقًّا، وحماه محارمه. انتهى.
[تنبيه]: رواية المصنّف هذه ظاهرة فِي كون ضرب المثل منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذكر فِي "الفتح" أن بعضهم ادّعى أن التمثيل منْ كلام الشعبي، وأنه مُدرج فِي الْحَدِيث، حكى ذلك أبو عمرو الداني، قَالَ الحافظ: ولم أقف عَلَى دليله، إلا ما وقع عند ابن الجارود، والإسماعيلي، منْ رواية ابن عون عن الشعبي، قَالَ ابن عون فِي آخر الْحَدِيث: لا أدري المثل منْ قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو منْ قول الشعبي؟، قَالَ الحافظ: وتردد ابن عون فِي رفعه، لا يستلزم كونه مدرجا؛ لأن الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه، فلا يَقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل منْ رواية بعض الرواة، كأبي فروة، عن الشعبي، لا يقدح فيمن أثبته؛ لأنهم حفاظ، قَالَ: ومما يقوي عدم الإدراج رواية ابن حبّان الماضية، وكذا ثبوت المثل مرفوعاً فِي رواية ابن عباس، وعمار بن ياسر أيضاً. انتهى.
(وِإنَّ حِمَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَرَّمَ) المراد بما حرّم فعلُ المنهي المحرم، أو ترك المأمور الواجب، ولهذا وقع فِي رواية أبي فروة عند البخاريّ التعبير بالمعاصي بدل المحارم.
(وَإِنَّهُ) الضمير للشأن (مَنْ) موصولة مبتدأ، والفعلان بعدها مرفوعان، الأوّل صلتها، والثاني خبرها، ويحتمل أن تكون شرطيّةً، والفعلان بعدها مجزومان بها شرطاً، وجزاءً (يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى) بفتح أول "يرتع"، وثالثه: أي يطوف به، ويدور حوله، قاله ابن الأثير. ويحتمل أن يكون بضم أوله، منْ أرتع، قَالَ فِي "القاموس": رَتَعَ كمنع رَتْعًا، ورُتُوعًا، ورِتاعًا بالكسر: أكل، وشرب ما شاء فِي خصب، وسَعَةٍ، أو هو الأكلُ، والشربُ رَغَدًا فِي الرِّيف، أو بِشَرَه، قَالَ: وَقَدْ أرتع فلانٌ إبله. انتهى. وعلى الثاني فيكون مفعوله فِي الْحَدِيث محذوفًا: أي إبله. و"حوله" منصوب عَلَى الظرفية متعلّقٌ بـ"يرتع".