للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يُوشِكُ) بضمّ أوله، منْ أوشك: أي يقرب (أنْ يُخَالِطَ الْحِمَى) أي يقع، ويدخل فيه؛ لأنه يتعاهد به التساهل، ويتمرّن عليه، ويجسُر عَلَى شبهة أخرى، أغلظ منها، وهكذا حَتَّى يقع فِي الحرام (وَرُبَّمَا قالَ) الراوي (إِنَّهُ مَنْ يَرْعَى) بفتح أوله، منْ باب سعى يسعى، يقال: رعت الماشية ترعى رَعْيًا، فهي راعية: إذا سَرَحَت بنفسها، ورَعَيتها، يُستعمل لازماً، ومتعدّيًا، وما هنا منْ المتعدّي (حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُرْتِعَ فِيهِ) بضم أوله، منْ الإرتاع (وَإِنَّ مَنْ) يحتمل أن تكون موصولة، وشرطيّة، عَلَى ما سبق قريباً (يُخَالِطُ الرِّيبَةَ) بكسر الراء: أي الشكّ والتهمة، وجمعه ريب، بكسر، ففتح، مثلُ سِدْرة وسِدَر، والمعنى أن منْ يدخل فِي محلّ التهمة، والشكّ (يُوشِكُ أَنْ يَجْسُرَ) بفتح أوله، وضم ثالثه: أي يُقدِم، ويَقَع فيه.

[تنبيه]: زاد فِي رواية الشيخين فِي آخر هَذَا الْحَدِيث: "ألا وإن فِي الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب".

قَالَ فِي "الفتح": وقوله: "مضغة": أي قدر ما يُمضَغ، وعبر بها هنا عن مقدار القلب فِي الرؤية، وسُمي القلب قلبا لتقلبه فِي الأمور، أو لأنه خالص ما فِي البدن، وخالص كل شيء قلبه، أو لأنه وُضِع فِي الجسد مقلوبا.

وَقَالَ القرطبيّ: "المضغة": القطعة منْ اللحم، وهي قدر ما يمضغه الماضغ، يعني بذلك صغير جرمها، وعظيم قدرها. قَالَ: والقلب فِي الأصل مصدر قلبت الشيءَ: إذا رددته عَلَى بدأته، وقلبت الإناء: إذا رددته عَلَى وجهه، وقلبتُ الرجلَ عن رأيه: إذا صرفته عنه، وعن طريقه كذلك، ثم نقل هَذَا اللفظ، فسمّي به هَذَا العضو الذي هو أشرف أعضاء الحيوان؛ لسرعة الخواطر فيه، ولتردّدها عليه، وَقَدْ نظم بعض الفضلاء هَذَا المعنى، فَقَالَ [منْ البسيط]:

مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ … فَاحْذَرْ عَلَى الْقَلْبِ منْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ (١)

انتهى "المفهم" ٤/ ٤٩٤ - ٤٩٥.

وقوله: "إذا صلحت، وإذا فسدت" هو بفتح عينهما، وتُضم فِي المضارع، وحكى الفراء الضم فِي ماضي صلُح، وهو يُضم وفاقا، إذا صار له الصلاح هيئة لازمة، لشرف ونحوه، والتعبير بـ"إذا" لتحقق الوقوع غالبا، وَقَدْ تأتي بمعنى "إن" كما هنا، وخَصّ القلبَ بذلك؛ لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه


(١) وأنشده فِي "لسان العرب"، و"تاج العروس" كما يلي [منْ البسيط]:
مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ … وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ بِالإنْسَانِ أَطْوَارًا