ما لم يفترقا بالأقوال، وهو الفراغ عن العقد، فصار حاصله: لهما الخيار قبل تمام العقد، وبهذا قَالَ الحنفيّة، ولا يخفى أن الخيار قبل تمام العقد ضروريّ، لا فائدة فِي بيانه، مع ما فيه منْ حمل البيع عَلَى السوم، وحمل التفرّق عَلَى الأقوال، وكلّ ذلك بعده ظاهرٌ، قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: إلا أن يجاب عن الأول بأنه لدفع أن الموجب لا خيار له؛ لأنه أوجب، ثم بعض روايات التفرّق فِي "الصحيحين" ينفي هَذَا الحمل قطعًا. انتهى. فظهر بهذا أن قول الجمهور هو الصحيح، وسيأتي تمام البحث فِي ذلك بعد ثلاثة أبواب، إن شاء الله تعالى.
(فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا) أي صدق البائع فِي إخبار المشتري مثلاً، وبين العيب، إن كَانَ فِي السلعة، وصدق المشتري فِي قدر الثمن مثلاً، وبيّن العيب، إن كَانَ فِي الثمن. ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحدٍ، وذِكرُ أحدهما تأكيد للآخر. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٥٧ (بُورِكَ فِي بَيْعِهِمَا) فعل مبنيّ للمفعول، ونائب فاعله الجارّ والمجرور (وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَ) بالبناء للمفعول، منْ المحق، يقال: مَحَقَه مَحْقًا، منْ باب نفع: نقصه، وأذهب منه البركة. وقيل: هو ذَهَاب الشيء كلّه، حتّى لا يُرَى له أثرٌ، ومنه قوله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} الآية، وانمحق الهلال لثلاث ليال فِي آخر الشهر، لا يكاد يُرى لخفائه، والاسم الْمِحَاق بالضمّ، والكسرُ لغةٌ. قاله الفيّوميّ. وقوله (بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) بالرفع عَلَى أنه نائب الفاعل، قَالَ فِي "الفتح" ٥/ ٥٧: يحتمل أن يكون عَلَى ظاهره، وأن شؤم التدليس، والكذب وقع فِي ذلك العقد، فمحق بركته، وإن كَانَ الصادق مأجورًا، والكاذب مأزورًا. ويحتمل أن يكون ذلك مختصًا بمن وقع منه التدليس، والعيب، دون الآخر، ورجّحه ابن أبي جمرة، انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٤/ ٤٤٥٩ و٨/ ٤٤٦٦ - وفي "الكبرى" ٤/ ٦٠٤٩ و٨/ ٦٠٥٦.