للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} الآية [النِّساء: ١٣٠].

وأجيب: بأنه سُمي بذلك لكونه يفضى إلى التفرق بالأبدان. قَالَ البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس، ارتكب مجازين: بحمله التفرق عَلَى الأقوال، وحمله المتبايعين عَلَى المتساومين، وأيضاً فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه؛ لأنه يصير تقديره أن المتساومين إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه، وهو تحصيل الحاصل؛ لأن كل أحد يعرف ذلك، ويقال لمن زعم أن التفرق بالكلام، ما هو الكلام الذي يقع به التفرق، أهو الكلام الذي وقع به العقد، أم غيره؟، فإن كَانَ غيره فما هو؟ فليس بين المتعاقدين كلام غيره، وإن كَانَ هو ذلك الكلام بعينه، لزم أن يكون الكلام الذي اتّفقا عليه، وتم بيعهما به، هو الكلامَ الذي افترقا به، وانفسخ بيعهما به، وهذا فِي غاية الفساد.

(حادي عشرها): قَالَ آخرون: العمل بظاهر الْحَدِيث متعذر، فيتعين تأويله، وبيان تعذره أن المتبايعين، إن اتفقا فِي الفسخ، أو الإمضاء، لم يثبت لواحد منهما عَلَى الآخر خيار، وإن اختلفا فالجمع بين الفسخ والإمضاء جمع بين النقيضين، وهو مستحيل.

وأجيب: بان المراد أن لكل منهما الخيار فِي الفسخ، وأما الإمضاء، فلا احتياج إلى اختياره، فإنه مقتضى العقد، والحال يفضي إليه مع السكوت، بخلاف الفسخ.

(ثاني عشرها): قَالَ آخرون: حديث ابن عمر هَذَا، وحكيم بن حزام، معارَض بحديث عبد الله بن عمرو، وذلك فيما أخرجه أبو داود وغيره (١)، منْ طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعاً: "البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه، خشية أن يستقيله". قَالَ ابن العربي: ظاهر هذه الزيادة، مخالف لأول الْحَدِيث فِي الظاهر، فإن تأولوا الاستقالة فيه عَلَى الفسخ، تأولنا الخيار فيه عَلَى الاستقالة، وإذا تعارض التأويلان، فُزِع إلى الترجيح، والقياس فِي جانبنا، فيرجح.

وتعقب: بأن حمل الاستقالة عَلَى الفسخ، أوضح منْ حمل الخيار عَلَى الاستقالة؛ لأنه لو كَانَ المراد حقيقة الاستقالة، لم تمنعه منْ المفارقة؛ لأنها لا تختص بمجلس العقد، وَقَدْ أثبت فِي أول الْحَدِيث الخيار، ومَدَّه إلى غاية التفرق، ومن المعلوم أن منْ له الخيار، لا يحتاج إلى الاستقالة، فتعين حملها عَلَى الفسخ، وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره، منْ العلماء، فقالوا: معناه: لا يحل له أن يفارقه بعد البيع، خشية أن يختار فسخ البيع؛ لأن العرب تقول: استقلت ما فات عني، إذا استدركته، فالمراد بالاستقالة، فسخ النادم منهما للبيع، وحملوا نفى الحل عَلَى الكراهة؛ لأنه لا يليق


(١) هو الْحَدِيث الآتي للمصنف برقم ١١/ ٤٤٨٥.