(منها): أنه منْ سداسيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بثقات البصريين. (ومنها): أن شيخه أحد مشايخ الأئمة الستة الذين رووا عنهم بلا واسطة، وتقدّم ذلك غير مرّة. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ: قتادة، عن الحسن البصريّ. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ سَمُرَةَ) بن جندب رضي الله تعالى عنه (أَنَّ نَبِيَّ الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"الْبَيِّعَانِ) بتشديد التحتانيّة: أي البائع والمشتري (بِالْخِيَارِ) أي فِي إمضاء البيع، وفسخه (حَتَّى يَتَفَرَّقَا) أي بأبدانهما منْ مجلس العقد (أَوْ) وفي نسخة بالواو (يَأْخُذَ) قَالَ وليّ الدين رحمه الله تعالى: هو معطوف عَلَى قوله: "يتفرّقا"، وتقدير إدخال "حَتَّى" عليه ممكن، لكن يكون مدلولها غير مدلولها عند الدخول عَلَى قوله: "يتفرّقا"، فهي فِي دخولها عَلَى قوله: "يتفرّقا" للغاية، وفي دخولها عَلَى قوله: "يأخذ" للتعليل: أي إن الخيار ثابت إلى غاية التفرّق، وأن علّة ثبوته أن يأخذ كلُّ واحد منهما منْ البيع ما هوِي، وإذا اختلف مدلول "حتّى" تعذّر عطف أحد الفعلين عَلَى الآخر، فيُقدّر له حينئذ فعلٌ، تقديره: البيّعان بالخيار حَتَّى يأخذ الخ، ودلّ عَلَى هَذَا المقدّر "حتّى" الداخلةُ عَلَى قوله: "يتفرّقا". انتهى. "طرح" ٦/ ١٦٠. وقوله (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) بالرفع فاعل "يأخذ" (مِنَ الْبَيْعِ) أي مما اشتمل عليه عقد البيع، منْ الثمن، والمثمن، فالبائع بالخيار بين الإجازة، فيأخذ الثمن، والفسخ، فيأخذ المثمن، والمشتري بعكسه (مَا هَوِيَ) -بكسر الواو- كرضي وزنًا ومعنى: أي ما أحبّ، فـ"ما" اسم موصول، مفعول به لـ"يأخذ" (وَيَتَخَايَرَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أي يختاران ثلاث مرّات، وهو ندب إلى تكرير التخاير ثلاث مرّات؛ لأنه أطيب للقلب، وأحوط، وهو استحباب بالإجماع، فيما نعلم، ولفظه خبر، ومعناه الأمر. قَالَ وليّ الدين رحمه الله تعالى: قوله: "ثلاث مرّات" يحتمل أن يكون معناها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كرّر هَذَا اللفظ ثلاث مرار، ويحتمل أن يكون المراد أن التخاير يكون ثلاث مرار، وعلى هَذَا الاحتمال الثاني، فهو احتياط، واستظهار، فإن التخاير يحصل بمرّة واحدة، لا نعلم فِي ذلك اختلافاً، والظاهر أنه يتعيّن الاحتمال الثاني فِي رواية البخاريّ: "يختار ثلاث مرار". انتهى "طرح التثريب" ٦/ ١٦٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أن الاحتمال الثاني هو المتعيّن؛ لأنه وقع فِي رواية أحمد، عن عفّان، عن همّام، بلفظ: "وجدت فِي كتابي: الخيار ثلاث مرار". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.