(ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى جواز البيع، بشرط الخيار، وعلى جواز شرط الخيار للمشترى وحده. (ومنها): أن فيه ما كَانَ أهل ذلك العصر عليه، منْ الرجوع إلى الحق، وقبول خبر الواحد، فِي الحقوق وغيرها. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٦٧ - ٦٨. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قَالَ الإِمام ابن القيم رحمه الله تعالى فِي كتابه "إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين": أحدث بعض المتأخرين حِيَلا، لم يصح القول بها عن أحد منْ الأئمة، ومن عَرَف سيرة الشافعيّ، وفضله، عَلِم أنه لم يكن يأمر بفعل الحيل، التي تبنى عَلَى الخداع، وان كَانَ يُجري العقود عَلَى ظاهرها، ولا ينظر الى قصد العاقد، إذا خالف لفظه، فحاشاه أن يُبيح للناس المكر والخديعة، فان الفرق بين إجراء العقد عَلَى ظاهره، فلا يعتبر القصد فِي العقد، وبين تجويز عقد، قد عُلم بناؤه عَلَى المكر، مع العلم بأن باطنه بخلاف ظاهره ظاهر، ومن نسب حِلَّ الثاني إلى الشافعيّ، فهو خصمه عند الله، فان الذي جوزه بمنزلة الحاكم يُجري الحكم عَلَى ظاهره، فِي عدالة الشهود، فيحكم بظاهر عدالتهم، وان كانوا فِي الباطن شهود زور، وكذا فِي مسألة الْعِينَةِ، إنما جوز أن يبيع السلعة ممن يشتريها، جريا منه عَلَى أن ظاهر عقود المسلمين سلامتها منْ المكر والخديعة، ولم يجوّز قط أن المتعاقدين يتواطآن عَلَى ألف، بألف ومائتين، ثم يُحضران سلعة، تُحلل الربا، ولاسيما إن لم يقصد البائع بيعها، ولا المشتري شراءها، ويتأكد ذلك، إذا كانت ليست ملكا للبائع، كأن يكون عنده سلعة لغيره، فيوقع العقد، ويَدَّعي أنها ملكه، ويصدقه المشتري، فيوقعان العقد عَلَى الأكثر، ثم يستعيدها البائع بالأقل، ويترتب الأكثر فِي ذمة المشتري فِي الظاهر، ولو عَلِمَ الذي جَوَّز ذلك بذلك، لبادر إلى إنكاره؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب، فقد يذكر العالم الشيء، ولا يستحضر لازمه، حَتَّى إذا عرفه أنكره، وأطال فِي ذلك جِدًّا، وهذا ملخصه.
قَالَ الحافظ: والتحقيق أنه لا يلزم منْ الإثم فِي العقد بطلانه، فِي ظاهر الحكم، فالشافعية يجوزون العقود عَلَى ظاهرها، ويقولون مع ذلك: إن منْ عَمِلَ الحيل بالمكر والخديعة، يأثم فِي الباطن، وبهذا يحصل الانفصال عن إشكاله. والله أعلم. انتهى "الفتح" ١٤/ ٣٥٣ - ٣٥٤.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا عجيب منْ مثل الحافظ، فأين الانفصال الذي زعمه، وبأي دليل انفصل عما أورده الإِمام ابن القيّم رحمه الله تعالى، منْ هَذَا الكلام المفصّل الذي إذا سمعه منْ أنصف لا يتأخّر عن الاعتراف به، واعتقاد صحّته، وأنه لا مفرّ عن القول به، فهذه الحيل التي ذكرها، لا نعتقد أحدًا ممن له علم بالكتاب والسنة