للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لما احتاج إلى شرط الخيار.

وَقَالَ ابن العربي: يحتمل أن الخديعة فِي قصة هَذَا الرجل كانت فِي العيب، أو فِي الكذب، أو فِي الثمن، أو فِي الغبن، فلا يُحتج بها فِي مسألة الغبن بخصوصها، وليست قصة عامة، وإنما هي خاصة فِي واقعة عين، فيحتج بها فِي حق منْ كَانَ بصفة الرجل، قَالَ: وأما ما رُوي عن عمر، أنه كُلِّم فِي البيع، فَقَالَ: ما أجد لكم شيئاً أوسع، مما جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحبان بن منقذ، ثلاثة أيام، فمداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف. انتهى.

قَالَ الحافظ: وهو كما قَالَ، أخرجه الطبراني، والدارقطني، وغيرهما منْ طريقه، لكن الاحتمالات التي ذكرها، قد تعينت بالرواية التي صُرَح بها، بأنه كَانَ يُغبن فِي البيوع. (ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى أن أمد الخيار المشترط ثلاثة أيام، منْ غير زيادة؛ لأنه حكم ورد عَلَى خلاف الأصل، فيُقتصر به عَلَى أقصى ما ورد فيه، ويؤيده جعل الخيار فِي الْمُصَرّاة ثلاثة أيام، واعتبار الثلاث فِي غير موضع. وأغرب بعض المالكية، فَقَالَ: إنما قصره عَلَى ثلاث؛ لأن معظم بيعه كَانَ فِي الرقيق. وهذا يحتاج إلى دليل، ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال.

(ومنها): أنه استُدلّ به عَلَى أن منْ قَالَ عند العقد: لا خلابة، أنه يصير فِي تلك الصفقة بالخيار، سواء وَجَدَ فيه عيبا، أو غبنا، أم لا، وبالغ ابن حزم فِي جموده، فَقَالَ: لو قَالَ: لا خديعة، أو لا غش، أو ما أشبه ذلك، لم يكن له الخيار، حَتَّى يقول: لا خلابة. ومن أسهل ما يُردّ به عليه، أنه ثبت فِي "صحيح مسلم" أنه كَانَ يقول: لا خيابة -بالتحتانية، بدل اللام، وبالذال المعجمة بدل اللام أيضاً (١)، وكأنه كَانَ لا يفصح باللام؛ للثغة لسانه، ومع ذلك لم يتغير الحكم فِي حقه، عند أحد منْ الصحابة، الذين كانوا يشهدون له، بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، جعله بالخيار، فدل عَلَى أنهم اكتفوا فِي ذلك بالمعنى.

(ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى أن الكبير لا يُحجر عليه، ولو تبين سفهه؛ لما فِي بعض طرق حديث أنس: أن أهله أتوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله، احجُر عليه، فدعاه، فنهاه عن البيع، فَقَالَ: لا أصبر عنه، فَقَالَ: "إذا بايعت، فقل: لا خلابة".

وتُعُقّب بأنه لو كَانَ الحجر عَلَى الكبير لا يصح؛ لأنكر عليهم، وأما كونه لم يحجر عليه، فلا يدل عَلَى منع الحجر عَلَى السفيه.


(١) هَذَا فيه نظر؛ لأن هذه الرواية ليست فِي مسلم، بل بر فِي غيره، كما تقدّم عن القاضي عياض رحمه الله تعالى.