للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه منْ أفراده. (ومنها): أنه مسلسل بثقات المكيين، والمدنيين، فشيخه، وسفيان مكيّان، والباقون مدنيّون. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. (ومنها): أنه منْ أصحّ أسانيد أبي هريرة -رضي الله عنه-، كما سبق قريباً، وفيه أبو هريرة -رضي الله عنه- أحفظ منْ روى الْحَدِيث فِي دهره. والله تعالى أعلم.

شرح الْحَدِيث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله تعالى عنه (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ: "لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ) منْ التلقي: أي لا تستقبلوا القافلة الجالبة للطعام قبل أن يَقْدَمُوا الأسواق، وسيعقد المصنّف رحمه الله تعالى لهذا بابًا مستقلاً بعد ثلاثة أبواب، ويأتي تمام البحث فيه هناك، إن شاء الله تعالى (وَلَا تُصَرُّوا) -بضم أوله، وفتح ثانيه، بوزن تُزَكُوا، يقال: صَرَّى يُصَرِّى تَصْرِيَةً، كزَكَّى يزكى تزكية، و"الإبل" بالنصب عَلَى المفعولية، وقيده بعضهم -بفتح أوله، وضم ثانيه- والأول أصح؛ لأنه منْ صَرَّيتُ اللبن فِي الضرع: إذا جمعته، وليس منْ صَرَرتُ الشيءَ: إذا ربطته، إذ لو كَانَ منه، لقيل: مصرورة، أو مُصَرَّرَة، ولم يُقَل: مُصَرّاة، عَلَى أنه قد سمع الأمران فِي كلام العرب، قَالَ الأغلب العجليّ [منْ الرجز]:

رَأَتْ غُلَامًا قَدْ صَرَى فِي فِقْرَتِه … مَاءَ الشَّبَابِ عُنْفُوَانَ شِرَّتِهْ

وَقَالَ مالك بن نويرة [منْ الطويل]:

فَقُلْتُ لِقَوْمِي (١) هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ … مُصَرَّرَةً أَخْلَافُهَا لمْ تُجَرَّدِ

وضبطه بعضهم بضم أوله، وفتح ثانيه، لكن بغير واو، عَلَى البناء للمجهول، والمشهور الأول. قاله فِي "الفتح".

(الإِبِلَ، وَالْغَنَمَ) لم يذكر البقر؛ لغلبتهما عندهم، وإلا فحكمها كحكمهما سواء، خلافًا لداود الظاهريّ، قاله فِي "الفتح". وَقَالَ وليّ الدين: الظاهر أن ذكر الغنم والإبل، دون غيرهما خرج مخرج الغالب فيما كانت العرب تصرّيه، وتبيعه، تدليساً، وغشًا، فإن البقر قليل ببلادهم، وغير الأنعام لا يُقصد لبنها غالبًا، فلم يكونوا يُصَرُّون غير الإبل والغنم، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، كيف وهو مفهوم لقب، وليس حجةً عند الجمهور. وروى الترمذيّ، منْ رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "منْ اشترى مُصَرّاةً"، وهو يتناول كلّ مصرّاة، لكن فِي "صحيح مسلم"،


(١) وتقدم إنشاده فِي كلام الخطابيّ: "وقلت خذوها هذه صدقاتكم" الخ.