وغيره منْ رواية محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "منْ اشترى شاةً مصرّاةً"، فصرّح بذكر الموصوف، وَقَدْ صرّح الشافعيّة بأن تحريم التصرية عامّ فِي كلّ مصرّاة، سواء فِي ذلك الأنعام، وغيرها، مما هو مأكول اللحم، وغير مأكول اللحم مما يحلّ بيعه، وأما ثبوت الخيار، وردّ الصاع فسيأتي ذكره بعد هَذَا، إن شاء الله تعالى. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ٧٧ - ٧٨.
[تنبيه]: قَالَ فِي "الفتح": وظاهر النهى تحريم التصرية، سواء قصد التدليس، أم لا، وفي رواية البخاريّ فِي "الشروط"، منْ طريق أبي حازم، عن أبي هريرة:"نهى عن التصرية"، وبهذا جزم بعض الشافعية، وعلَّله بما فيه منْ إيذاء الحيوان، لكن أخرج النسائيّ، حديث الباب منْ طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، بلفظ:"لا تُصَرُّوا الإبلَ، والغنم للبيع"، وله منْ طريق أبي كثير السُّحَيمي، عن أبي هريرة:"إذا باع أحدكم الشاة، أو اللِّقْحَة، فلا يُحَفِّلْهَا"، وهذا هو الراجح، وعليه يدل تعليل الأكثر بالتدليس، ويجاب عن التعليل بالإيذاء، بأنه ضرر يسير، لا يستمر، فيُغتَفَر؛ لتحصيل المنفعة. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عزوه الْحَدِيث الأول إلى النسائي خطأ، فإنه ليس فِي نسخ "المجتبى"، ولا "الكبرى" زيادة لفظة "للبيع" هنا أصلاً، وإنما هي فِي قوله:"لا تلقوا الركبان للبيع"، وإنما هذه الزيادة فِي رواية المزنيّ، عن الشافعيّ، عن سفيان بن عيينة، أوردها البيهقيّ فِي "المعرفة" ٤/ ٣٥٤ رقم ٣٤٧٠ - و٣٤٧١. نبّه عَلَى ذلك الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى، وعبارته فِي "الطرح" ٦/ ٧٧ - : فيه تحريم التصرية، وظاهره أنه لا فرق بين أن يفعل ذلك للبيع، أو غيره، وهو ظاهر إطلاق الرافعيّ، والنوويّ، وغيرهما، لكنّهما علّلاه بما فيه منْ التدليس، وذلك يقتضي اختصاصه بما إذا فعل ذلك لأجل البيع، وصرّح المتولّي فِي "التّتمّة" بتحريم التصرية مطلقًا للبيع وغيره، وعلّله بما فيه منْ إيذاء الحيوان، لكن روى المزنيّ، عن الشافعيّ، عن سفيان، ومالك، كلاهما عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعًا:"لا تصرّوا الإبل، والغنم للبيع"، ورواه البيهقيّ فِي "المعرفة" منْ طريقه، وهذا يقتضي اختصاص التحريم بحالة البيع، فلو حفّلها، وجمع لبنها لولدها، أو لضيف، يَقدَم عليه لم يحرُم، ويُجاب عن التأذي بأنه يسير، لا يحصل منه ضرر مستمرٌ، فيُغتفر؛ لأجل تحصيل المصلحة المتعلّقة به، كما يُغتفر تأذّي الدّابّة فِي الركوب والحمل، حيث لا يكون فيه ضرر، ومحظور. انتهى كلام وليّ الدين.
(مَنِ ابْتَاعَ منْ ذَلِكَ شَيْئًا) أي منْ اشترى شيئًا منْ مصرّاة الإبل، أو الغنم. وفي رواية