يُرَدّ بعيب التصرية، ولا يجب رد صاع منْ التمر، وخالفهم زفر، فَقَالَ بقول الجمهور، إلا أنه قَالَ: يتخير بين صاع تمر، أو نصف صاع بر، وكذا قَالَ ابن أبي ليلى، وأبو يوسف فِي رواية، إلا إنهما قالا: لا يتعين صاع التمر، بل قيمته، وفي رواية عن مالك، وبعض الشافعية كذلك، لكن قالوا: يتعين قوت البلد؛ قياسا عَلَى زكاة الفطر، وحكى البغوي أن لا خلاف فِي المذهب، أنهما لو تراضيا بغير التمر، منْ قوت، أو غيره كفى، وأثبت ابن كجّ الخلاف فِي ذلك، وحكى الماوردي وجهين، فيما إذا عجز عن التمر، هل تلزمه قيمته يلده، أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه؟، وبالثاني قَالَ الحنابلة.
واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة، بأعذار شَتَّى، فمنهم منْ طعن فِي الْحَدِيث؛ لكونه منْ روايه أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود، وغيره، منْ فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي، وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غِنًى عن تكلف الرد عليه، وَقَدْ ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة -رضي الله عنه- وأمثاله، كما فِي الوضوء بنبيذ التمر، ومن القهقهة فِي الصلاة، وغير ذلك، قَالَ الحافظ: وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاريّ حديث ابن مسعود، عقب حديث أبي هريرة، إشارةً منه، إلى أن ابن مسعود قد أفتي بوفق حديث أبي هريرة، فلولا أن خبر أبي هريرة فِي ذلك ثابت، لما خالف ابن مسعود القياس الجلي فِي ذلك.
وَقَالَ ابن السمعاني فِي "الاصطلام" التعرض إلى جانب الصحابة، علامة عَلَى خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، وَقَدْ اختص أبو هريرة بمزيد منْ الحفظ؛ لدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له -يعني الذي أخرجه البخاريّ فِي "كتاب العلم"، وفي أول "البيوع" أيضاً: وفيه قوله: "إن إخواني منْ المهاجرين، كَانَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا" الْحَدِيث، ثم مع ذلك، لم ينفرد أبو هريرة، برواية هَذَا الأصل، فقد أخرجه أبو داود، منْ حديث ابن عمر، وأخرجه الطبراني منْ وجه آخر عنه، وأبو يعلى منْ حديث أنس، وأخرجه البيهقي فِي "الخلافيات" منْ حديث عمرو بن عوف المزني، وأخرجه أحمد، منْ رواية رجل منْ الصحابة، لم يُسَمّ. وَقَالَ ابن عبد البرّ: هَذَا الْحَدِيث مجمع عَلَى صحته، وثبوته منْ جهة النقل، واعتل منْ لم يأخذ به بأشياء، لا حقيقة لها.
ومنهم منْ قَالَ: هو حديث مضطرب؛ لذكر التمر فيه تارة، والقمح أخرى، واللبن أخرى، واعتباره بالصاع تارة، وبالمثل أو المثلين تارة، وبالإناء أخرى.
والجواب أن الطرق الصحيحة، لا اختلاف فيها، كما تقدم، والضعيف لا يُعِلّ الصحيح. ومنهم منْ قَالَ: هو معارض لعموم القرآن، كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ