للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحسن، حيث قالا: إن التصرية ليست بعيب، ولا توجب خيارًا، وَقَدْ روي عن أبي خيفة أنها عيب توجب الأرش، وَقَالَ زفر منْ أصحابه: يردّ صاعاً منْ تمر، أو نصف صاع منْ برّ. قاله فِي "المفهم" ٤/ ٣٧٣.

(ومنها): أن بيع الخيار موضوعٌ لتمام البيع، واستقراره، لا للفسخ، وهو أحد القولين عند المالكية. وقيل: هو موضوع للفسخ. قَالَ القرطبيّ: والأول أولى؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن شاء أمسكها"، والإمساك: استدامة التمسّك، لما قد ثبت وجوده، كما قَالَ -صلى الله عليه وسلم- لغيلان: "أمسك أربعًا، وفارق سائرهنّ": أي استدم حكم العقود السابقة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم منْ اشترى مصرّاة:

ذهب عامّة أهل العلم إلى أن منْ اشترى مصراة منْ بهيمة الأنعام، لم يعلم تصريتها، ثم علم، فله الخيار فِي الرد والإمساك، رُوي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وأنس -رضي الله عنهم-، وإليه ذهب مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف.

وذهب أبو حنيفة، ومحمد، إلى أنه لا خيار له؛ لأن ذلك ليس بعيب، بدليل أنها لو لم تكن مصراة، فوجدها أقل لبنا منْ أمثالها، لم يملك ردها، والتدليل بما ليس بعيب، لا يثبت الخيار، كما لو علفها فانتفخ بطنها، فظن المشتري أنها حامل.

واحتجّ الأولون بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "لا تصروا الإبل، والغنم، فمن ابتاعها بعدُ، فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا منْ تمر"، متَّفقٌ عليه.

قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: ولأن هَذَا تدليس بما يختلف الثمن باختلافه، فوجب به الرد، كما لو كانت شمطاء، فسوّد شعرها، وقياسهم يبطل بتسويد الشعر، فإن بياضه ليس بعيب كالكِبَر، وإذا دلسه ثبت له الخيار، وأما انتفاخ البطن، فقد يكون منْ الأكل والشرب، فلا معنى لحمله عَلَى الحمل، ثم إن هَذَا القياس مخالف للنص، واتباع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوجب منْ غيره. أفاده فِي "المغني" ٦/ ٢١٦ - ٢١٧.

وَقَالَ الحافظ رحمه الله تعالى فِي "الفتح": وَقَدْ أخذ بظاهر هَذَا الْحَدِيث جمهور أهل العلم، وأفتى به ابن مسعود، وأبو هريرة، ولا مخالف لهما منْ الصحابة، وَقَالَ به منْ التابعين، ومن بعدهم منْ لا يحصى عدده، ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتُلِب قليلاً، أو كثيرًا، ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد، أم لا.

وخالف فِي أصل المسألة أكثر الحنفية، وفي فروعها آخرون، أما الحنفية، فقالوا: لا